مخفّفا ـ فعل لازم ، معناه تمكّن ورسخ ، وثبّت معدّى بالتضعيف ، ومعناه مكّن وحقّق ؛ قال ابن رواحة : [البسيط]
١٢٢٠ ـ فثبّت الله ما أتاك من حسن |
|
تثبيت عيسى ونصرا كالّذي نصروا (١) |
فإذا كان التثبيت مسندا إليهم ، كانت «من» في موضع نصب متعلقة بنفس المصدر ، وتكون للتبعيض ، مثلها في : «هزّ من عطفه» ، و «حرّك من نشاطه» وإن كان مسندا في المعنى إلى أنفسهم ، كانت «من» أيضا في موضع نصب ؛ صفة لتثبيتا».
قال الزمخشريّ : «فإن قلت : فما معنى التبعيض؟ قلت : معناه أنّ من بذل ماله لوجه الله تعالى ، فقد ثبّت بعض نفسه ، ومن بذل روحه ، وماله معا ، فقد ثبّت نفسه كلّها». قال أبو حيان : «والظاهر أنّ نفسه هي التي تثبّته ، وتحمله على الإنفاق في سبيل الله ، ليس له محرّك إلا هي ؛ لما اعتقدته من الإيمان والثواب» يعني : فيترجّح أنّ التثبيت مسند في المعنى إلى أنفسهم. والابتغاء : افتعال من بغيت ، أي : طلبت ، وسواء قولك : بغيت ، وابتغيت.
فصل
معنى قوله : (ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) ، أي : طلب رضى الله (وَتَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ) قال قتادة : احتسابا (٢).
وقال الشعبيّ ، والكلبيّ : تصديقا من أنفسهم (٣) ، أي : يخرجون الزكاة طيبة بها أنفسهم ، على يقين الثواب ، وتصديق بوعد الله ، ويعلمون أنّ ما أخرجوا خير لهم مما تركوا ، وقيل : على يقين بإخلاف الله عليهم.
وقال عطاء ، ومجاهد : يتثبتون ، أي : يضعون أموالهم (٤).
قال الحسن : كان الرجل إذا همّ بصدقة يتثبت ، فإن كان لله ، أمضى ، وإن كان يخالطه شكّ ، أمسك (٥) ، ثم إنه تعالى لمّا بين أن غرضهم من الإنفاق هذان الأمران ، ضرب الإنفاق مثلا ، فقال : «كمثل جنّة بربوة».
__________________
(١) ينظر : ديوانه (٩٤) ، والبحر المحيط ٢ / ٣٢٣ ، والدر المصون ١ / ٦٤٠.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٣٤) عن قتادة وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٠١) وعزاه لابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٣٢) عن عامر الشعبي وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٠١) وزاد نسبته لعبد بن حميد.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٣٢) وعبد بن حميد كما في «الدر المنثور» (١ / ٦٠١) عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٣٣) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٠١) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن.