فصل
قال أبو حنبفة : الخمر : هو ما كان من عصير العنب وغيره.
حجّة أبي حنيفة : قول تعالى : (وَمِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) [النحل : ٦٧] فمنّ الله تعالى علينا باتخاذ السّكر ، والرّزق الحسن ؛ فوجب أن يكون مباحا ؛ لأنّ المنّة لا تكون إلّا بالمباح.
وروى ابن عبّاس أنّه ـ عليهالسلام ـ أتى السّقاية عام حجّة الوداع ، فاستند إليها وقال : اسقوني ، فقال العبّاس : لنسقينّك ممّا ننبذه في بيوتنا؟ فقال : «ممّا يسقى النّاس» فجاءه بقدح من نبيذ ؛ فشمّه فقطب وجهه وردّه ، فقال العبّاس : يا رسول الله أفسدت على أهل مكّة شرابهم. فقال : «ردّوا عليّ القدح» فردّوه عليه ؛ فدعا بماء زمزم ؛ فصبّ عليه وشرب وقال : «إذا اغتلمت عليكم هذه الأشربة فاقطعوا نتنها بالماء» (١).
وجه الاستدلال به : أن التقطيب لا يكون إلّا من الشّديد ، ولأن المزج بالماء كان لقطع الشدّة بالنّصّ ، ولأنّ اغتلام الشّراب شدّته ، كاغتلام البعير سكره.
وأيضا وردت عند الصّحابة فيه آثار ؛ روي أنّ عمر بن الخطّاب ـ رضي الله عنه ـ كتب إلى بعض عماله أن أرزاق المسلمين من الطّلاء ما ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه (٢) ، ورأى أبو عبيدة ، ومعاذ : شرب الطّلاء على الثّلث (٣).
وحجّة القائلين بأنّ الخمر من عصير العنب وغيره ما روى أبو داود عن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : «نزل تحريم الخمر يوم نزل وهي من خمسة من العنب ، والتّمر ، والحنطة ، والشّعير ، والذّرة» (٤).
والخمر ما خامر العقل.
وفي «الصّحيحين» عن عمر أنّه قال على منبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ألا إنّ الخمر قد حرّمت ، وهي من خمسة : من العنب ، والتّمر ، والعسل ، والحنطة ، والشعير والخمر ما
__________________
(١) أخرجه النسائي (٨ / ٣٢٤) والدار قطني (٤ / ٢٦٤) والبيهقي (٨ / ٣٠٥) وابن أبي شيبة (٧ / ٥٠٥).
وقال البيهقي : هذا حديث يعرف بعبد الملك بن نافع وهو رجل مجهول وقال النسائي : وعبد الملك بن نافع غير مشهور ولا يحتج بحديثه.
(٢) ذكره البغوي في «تفسيره» (١ / ١٩٢).
(٣) ينظر : المصدر السابق.
(٤) أخرجه البخاري (٥ / ١٠٥) كتاب التفسير باب سورة المائدة رقم (٢٦١٩) ومسلم (٨ / ٢٤٥) وأبو داود (٣٦٦٩) والنسائي (٢ / ٣٢٥) والترمذي (١ / ٣٤٣) والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (٢ / ٣٢٣) وابن الجارود في «المنتقى» (٨٥٢) والدار قطني (٥٣٢) والبيهقي (٨ / ٢٨٨ ـ ٢٨٩) من طريق ابن عمر عن عمر قال ... فذكره.