البعيد والمشار إليه قريب وهو الحكم المذكور في العضل؟
والجواب : أنّ ذلك دليل على تعظيم المشار إليه. وخصّص هذا الوعظ بالمؤمنين دون غيرهم ؛ لأنّهم المنتفعون به فلذلك حسن تخصيصهم ؛ كقوله : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة : ٢] وهو هدى للكلّ ، كما قال : (هُدىً لِلنَّاسِ) [البقرة : ١٨٥] ، وقال : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ) [يس : ١١] ، مع أنّه كان منذرا للكلّ ؛ كما قال : (لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) [الفرقان : ١].
فصل في خطاب الكفار بفروع الشريعة (١)
احتجّوا بهذه الآية على أنّ الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الإسلام ؛ لأن تخصيصه
__________________
(١) تحرير محل النزاع هو هل الكفار مخاطبون بأداء فروع الشريعة مع انتفاء شرطها وهو الإيمان وهل يعاقبون في الآخرة على تركها كما يعاقبون على ترك الإيمان أم لا؟ مع أنهم متفقون على أن الكفار مخاطبون بالإيمان والعقوبات والمعاملات والعبادات في حق المؤاخذة في الآخرة بترك الاعتقاد.
فذهب الشافعية ، والمالكية ، وفي إحدى الروايات عن أحمد ، والمعتزلة ، والعراقيون من الحنفية ؛ إلى أنهم مخاطبون بفروع الشريعة ؛ كما أنهم مخاطبون بالاعتقاد ، ويعاقبون على ترك الاعتقاد والفروع جميعا في الآخرة ، وقالوا : بأن الكفر لا يصلح أن يكون مانعا من دخولهم في الإسلام ، لأنهم متمسكون في إزالته بالإيمان ، ويكون زمن الكفر ظرفا للتكليف لا للإيقاع ، فهو مأمور بأن يسلم ثم يوقع الفعل. والمقتضي للتكليف قائم والمانع مفقود كالمحدث ، والحديث يقتضي سبق التكليف به ولكنه يسقط ترغيبا في الإسلام.
وذهب مشايخ علماء سمرقند من الحنفية ، ومنهم أبو زيد ، وشمس الأئمة السرخسي ، وفخر الإسلام البزدوي ، وأبو حامد الإسفرائيني من الشافعية وعزاه البيضاوي في «المنهاج» إلى المعتزلة. وفي «مسلم الثبوت» ، وفي إحدى الروايات عن أحمد إلى أنهم غير مكلفين بفروع الشريعة ، ولا يعاقبون في الآخرة ، إلا على ترك الاعتقاد بها ولا يعاقبون على ترك أدائها ، وقالوا بأن الكافر ليس أهلا للأداء وتصير ذمته كالمعدومة حكما في الصلاحية ؛ لوجوب أداء العبادات تحقيقا لمعنى الهوان في حقهم ؛ لأن التكليف بالفروع إنما هو لتهذيب الأخلاق الحميدة وتكميل الإيمان ، والتقرب إلى الله ونيل الدرجات العلى والكافر لا يصلح لهذا كله ، فلا يصلح للتكليف ، فمثله كمريض لا يرجى تأثير الدواء فيه فيعرض الطبيب عنه فإعراض الله تعالى لا يسمى تشريفا لهم ، بل لكمال إذلالهم ، فاندفع ما قيل بأن الكفر لا يصلح مرفها بإسقاط التكليف ، واعلم أن هذه المسألة ليست محفوظة عن أبي حنيفة وأصحابه نصّا ، وإنما استنبطها مشايخ سمرقند اللاحقون من الفروع الفقهية من قول محمد بن الحسن فيمن نذر صوم شهر فارتد ، ثم أسلم لم يلزمه المنذور ، فعلم أن الكفر يبطل وجوب أداء العبادات ؛ لعدم الفرق بين الواجب بالنذر وسائر الواجبات في الوجوب.
وهناك مذهب ثالث ذهب إلى التفصيل : وهو أنهم مكلفون بالنواهي دون الأوامر ، والفرق أن النواهي يخرج المكلف عن عهدتها بمجرد تركها وإن لم يشعر بها ، فضلا عن القصد إليها وأما الأمر فلا يخرج عن عهدته حتى يعتقد وجوبه.
قال النووي في «شرح المهذب» : وأما الكافر الأصلي : فاتفق أصحابنا في كتب الفروع على أنه لا تجب عليه الصلاة والزكاة والصوم ، والحج وغيرها من فروع الإسلام ، وأما في كتب الأصول فقال