الصفة الرابعة : قوله : (تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ) السّيما : العلامة بالقصر ويجوز مدّها ، وإذا مدّت ، فالهمزة فيها منقلبة عن حرف زائد ، للإلحاق : إمّا واو ، وإمّا ياء ، فهي كعلباء ملحقة بسرداح ، فالهمزة فيه للإلحاق ، لا للتأنيث ؛ وهي منصرفة لذلك.
و «سيما» مقلوبة ، قدّمت عينها على فائها ؛ لأنها مشتقة من الوسم فهي بمعنى السّمة ، أي : العلامة ، فلما وقعت الواو بعد كسرة قلبت ياء ، فوزن سيما : عفلا ، كما يقال اضمحلّ ، وامضحلّ ، [و] «وخيمة» ، و «خامة» ، وله جاه ، ووجه ، أي : وجاهة.
وفي الآية الكريمة طباق في موضعين :
أحدهما : «أحصروا» مع قوله : (ضَرْباً فِي الْأَرْضِ).
والثاني : قوله تعالى : «أغنياء» ، مع قوله : «للفقراء» نحو : (أَضْحَكَ وَأَبْكى) و (أَماتَ وَأَحْيا). ويقال «سيميا» بياء بعد الميم ، وتمدّ كالكيمياء ؛ وأنشد : [الطويل]
١٢٤٣ ـ غلام رماه الله بالحسن يافعا |
|
له سيمياء لا تشقّ على البصر (١) |
والباء تتعلّق ب «تعرفهم» ومعناها السببية ، أي : إنّ سبب معرفتك إياهم هي سيماهم.
والسّيما : العلامة ، وقال قوم : السّيما : الارتفاع ، لأنّها علامة وضعت للظّهور.
فصل
قال القرطبيّ (٢) : هذه الآية تدلّ على أن للسّيما أثر في اعتبار من يظهر عليه ذلك ، حتى إذا رأينا ميتا في دار الإسلام ، وعليه زنّار ، وهو غير مختون ؛ لا يدفن في مقابر المسلمين ، ويقدّم ذلك على حكم الدار ؛ في قول أكثر العلماء ، ومنه قوله تعالى : (وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ) فدلّت هذه الآية على جواز صرف الصدقة إلى من له ثياب ، وكسوة وزيّ في التجمل.
فصل في تفسير «السّيما»
قال مجاهد : هو التخشع ، والتواضع (٣).
وقال الربيع ، والسديّ : أثر الجهد من الفقر ، والحاجة (٤).
وقال الضحاك : صفرة ألوانهم من الجوع (٥) ، والضر.
__________________
(١) البيت لابن عنقاء الفزاري ، ينظر أمالي القالي ١ / ٢٣٧ ، الطبري ٥ / ٥٩٥ ، الدر المصون ١ / ٦٥٧.
(٢) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ٢٢١.
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٥ / ٥٩٦) وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (١ / ٦٣٤) وزاد نسبته لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن مجاهد.
(٤) ذكره الرازي في «التفسير الكبير» (٧ / ٧١).
(٥) انظر : المصدر السابق.