فصل في معنى قوله : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ)
قال الطبريّ : معنى قوله (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ) أي : لما اتضح له عيانا ما كان مستنكرا في قدرة الله عنده قبل عيانه ، قال : أعلم. قال ابن عطيّة : وهذا خطأ ؛ لأنه ألزم ما لا يقتضيه اللفظ ، وفسر على القول الشاذّ ، وهذا عندي ليس بإقرار بما كان قبل ينكره ، كما زعم الطبريّ ، بل هو قول بعثه الاعتبار ؛ كما يقول المؤمن إذا رأى شيئا غريبا من قدرة الله تعالى : لا إله إلّا الله ، ونحو هذا. وقال أبو عليّ : معناه أعلم هذا الضرب من العلم الذي لم أكن أعلمه.
و «أنّ الله» في محلّ نصب ، سادّة مسد المفعولين ، أو الأوّل والثاني محذوف على ما تقدّم من الخلاف.
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٢٦٠)
هذه القصة الثالثة الدالّة على صحّة البعث.
في العامل في «إذ» ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنه قال : «أو لم تؤمن» ، أي : قال له ربّه وقت قوله ذلك.
والثاني : أنه «ألم تر» أي : ألم تر إذ قال إبراهيم.
والثالث : أنه مضمر تقديره : واذكر قاله الزجاح ف «إذ» على هذين القولين مفعول به ، لا ظرف. و «ربّ» منادى مضاف لياء المتكلم ، حذفت ؛ استغناء عنها بالكسرة قبلها ، وهي اللغة الفصيحة ، وحذف حرف النداء.
وقوله : «أرني» تقدّم ما فيه من القراءات ، والتوجيه في قوله : (وَأَرِنا) [البقرة : ١٨٥] والرؤية ـ هنا ـ بصرية تتعدّى لواحد ، ولمّا دخلت همزة النقل ، أكسبته مفعولا ثانيا ، والأول ياء المتكلم ، والثاني الجملة الاستفهامية ، وهي معلقة للرؤية و «رأى» البصرية تعلّق ، كما تعلق «نظر» البصرية ، ومن كلامهم : «أما ترى أيّ برق ههنا».
و «كيف» في محلّ نصب : إمّا على التشبيه بالظرف ، وإمّا على التشبيه بالحال ، كما تقدّم في قوله (كَيْفَ تَكْفُرُونَ) [البقرة : ٢٨]. والعامل فيها «تحيي» وقدّره مكي (١) : بأي حال تحيي الموتى ، وهو تفسير معنى ، لا إعراب.
قال القرطبيّ (٢) : الاستفهام بكيف ، إنما هو سؤال عن حالة شيء موجود متقرر
__________________
(١) ينظر : المشكل ١ / ١٠٩.
(٢) ينظر : القرطبي ٣ / ١٩٤.