مواضع الضّرورة أو الشذوذ ، فلا يحمل عليه ما وجدت عنه مندوحة» وقال ابن عطية : «هو خطأ». قال أبو حيّان إن كان أبو عبيدة عنى بالجوار المصطلح عليه فهو خطأ. وجهة الخطأ أنّ الخفض على الجوار عبارة عن أن يكون الشيء تابعا لمرفوع ، أو منصوب ، من حيث اللفظ والمعنى ، فيعدل به عن تبعيّته لمتبوعه لفظا ، ويخفض لمجاورته لمخفوض ؛ كقولهم : «هذا جحر ضبّ خرب» بجرّ «خرب» ، وكان من حقّه الرفع ؛ لأنه من صفات الجحر ، لا من صفات الضبّ ، ولهذه المسألة مزيد بيان يأتي في موضعه إن شاء الله تعالى ، و «قتال» هنا ليس تابعا لمرفوع ، أو منصوب ، وجاور مخفوضا فخفض.
وإن كان عنى أنه تابع لمخفوض فخفضه بكونه جاور مخفوضا ، أي : فصار تابعا له ، لم يكن خطأ ، إلّا أنه أغمض في عبارته ؛ فالتبس بالمصطلح عليه.
وقرأ ابن عباس (١) والأعمش : «عن قتال» بإظهار «عن» وهي في مصحف عبد الله كذلك. وقرأ عكرمة (٢) : «قتل فيه ، قل قتل فيه» بغير ألف.
وقرئ (٣) شاذّا : «قتال فيه» بالرفع وفيه وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ ، والجارّ والمجرور بعده خبر ، وسوّغ الابتداء به وهو نكرة ؛ أنه على نية همزة الاستفهام ، تقديره : أقتال فيه.
والثاني : أنه مرفوع باسم فاعل تقديره : أجائز قتال فيه ، فهو فاعل به. وعبّر أبو البقاء (٤) في هذا الوجه بأن يكون خبر محذوف ، فجاء رفعه من ثلاثة أوجه : إمّا مبتدأ ، وإمّا فاعل ، وإمّا خبر مبتدأ. قالوا : ويظهر هذا من حيث إنّ سؤالهم لم يكن عن كينونة القتال في الشهر أم لا ، وإنّما كان سؤالهم : هل يجوز القتال فيه أم لا؟ وعلى كلا هذين الوجهين ، فهذه الجملة المستفهم عنها في محلّ جرّ ؛ بدلا من الشهر الحرام ، لأنّ «سأل» قد أخذ مفعوليه فلا تكون هي المفعول ، وإن كانت محطّ السؤال.
وقوله : «فيه» على قراءة خفض «قتال» فيه وجهان :
أحدهما : أنه في محلّ خفض ؛ لأنه صفة ل «قتال».
__________________
(١) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٢٩٠ ، والتخريجات النحوية ١٥١ ، والبحر المحيط ٢ / ١٥٤ ، ونسبها أيضا إلى الربيع. وانظر : الدر المصون ١ / ٥٢٧.
(٢) انظر : السابق.
(٣) نسبها القرطبي إلى الأعرج ٤٠ ، وانظر : البحر المحيط ٢ / ١٥٤ ، والدر المصون ١ / ٥٢٨.
(٤) ينظر : الإملاء لأبي البقاء ١ / ٩٢.