فمتى علم الزوج أنه يعجز بنفقة زوجته ، أو صداقها ، أو شيء من حقوقها الواجبة عليه ؛ فلا يحلّ له أن يتزوجها ؛ حتى يبيّن لها. وكذلك لو كانت تعلم أنها تمنعه من الاستمتاع ، كان عليها أن تبين.
وكذلك لا يجوز له أن يغرّها بنسب يدعيه ، ولا مال له ، ولا صناعة يذكرها ، وهو كاذب ، وكذلك لو كان بها علة ، تمنع من الاستمتاع من جنون ، أو جذام ، أو برص ، أو داء في الفرج ؛ لم يجز لها أن تغرّه ، وعليها أن تبيّن له ما بها ، كما يجب على بائع السّلعة. وكان النبي ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ تزوج امرأة ، فوجد بكشحها (١) برصا ؛ فردّها ، وقال : «دلّستم عليّ» (٢).
فصل هل على الزوجة خدمة الزوج؟
نقل القرطبيّ (٣) عن ابن خويزمنداد قال : اختلف أصحابنا : هل على الزوجة خدمة الزوج؟
فقال بعضهم : ليس عليها خدمته ؛ لأن العقد إنما يتناول الاستمتاع ، لا الخدمة ؛ قال تعالى : (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) [النساء : ٣٤].
وقال بعضهم : عليها خدمة مثلها ؛ فإن كانت شريفة المحلّ ، فعليها التدبير للمنزل ، وإن كانت متوسطة الحال ، فعليها أن تفرش الفراش ، ونحو ذلك ، وإن كانت دون ذلك ، فعليها أن تقمّ البيت ، وتطبخ ، وتغسل ، وإن كانت من نساء الكرد ، والدّيلم والجبل في بلدهن كلّفت ما تكلف نساؤهم المسلمين من ذلك ؛ قال تعالى : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ).
قوله : (وَتِلْكَ حُدُودُ اللهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) «تلك» إشارة إلى ما بينهما من التّكاليف.
«يبيّنها» في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : أنها في محلّ رفع ، خبرا بعد خبر ، عند من يرى ذلك.
والثاني : أنها في محلّ نصب على الحال ، وصاحبها «حدود الله» والعامل فيها اسم الإشارة.
وقرئ (٤) : «نبيّنها» بالنون ، ويروى عن عاصم ، على الالتفات من الغيبة إلى التكلم ؛ للتعظيم.
__________________
(١) الكشح : ما بين الخاصرة الضّلع الخلفي ، وهو من لدن السّرّة إلى المتن ، وقيل : الكشح : ما بين الحجبة إلى الإبط. ينظر لسان العرب ٥ / ٣٨٨٠.
(٢) ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٤ / ٣٠٠).
(٣) ينظر : تفسير القرطبي ٣ / ١٠٢.
(٤) انظر : المحرر الوجيز ١ / ٣٠٩ ، والبحر المحيط ٢ / ٢١٣ ، والدر المصون ١ / ٥٦٤.