والأيمان : جمع يمين : وأصلها العضو ، واستعملت في الحلف مجازا لما جرت عادة المتعاقدين بتصافح أيمانهم ، واشتقاقها من اليمن ، واليمين أيضا : اسم للجهة التي تكون من ناحية هذا العضو ، فينتصب على الظرف ، وكذلك اليسار ، تقول : زيد يمين عمرو ، وبكر يساره ، وتجمع اليمين على «أيمن وأيمان» وهل المراد بالأيمان في الآية القسم نفسه ، أو المقسم عليه؟ قولان ، الأول أولى. وقد تقدّم تجويز الزمخشريّ أن يكون المراد به المحلوف عليه واستدلاله بالحديث والجواب عنه.
فصل
ذكر المفسّرون في هذه الآية أقوالا كثيرة ، وأجودها وجهان :
أحدهما : ما ذكره أبو مسلم (١) الأصفهاني ، وهو أنّ قوله : (وَلا تَجْعَلُوا اللهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ) نهي عن الجزأة على الله بكثرة الحلف به ؛ وذلك لأنه من أكثر ذكر شيء في معنّى من المعاني ، فقد جعله عرضة له ، فيقول الرّجل : قد جعلتني عرضة للومك ؛ قال الشّاعر : [الطويل]
١٠٨٩ ـ .......... |
|
ولا تجعلوني عرضة للّوائم (٢) |
وقد ذمّ الله تعالى من أكثر من الحلف بقوله : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ) [القلم : ١٠] ، وقال تعالى : (وَاحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ) [المائدة : ٨٩] والعرب كانوا يمدحون الإنسان بالإقلال من الحلف ؛ كما قال كثير : [الطويل]
١٠٩٠ ـ قليل الألايا حافظ ليمينه |
|
وإن سبقت منه الأليّة برّت (٣) |
والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان ؛ أن من حلف في كلّ قليل وكثير بالله ، انطلق لسانه بذلك ، ولا يبقى لليمين في قلبه وقع ، فلا يؤمن إقدامه على الأيمان الكاذبة ، فيختلّ ما هو الغرض من اليمين ، وأيضا كلّما كان الإنسان أكثر تعظيما لله ـ تعالى ـ ، كان أكمل في العبوديّة ، ومن كمال التّعظيم أن يكون ذكر الله ـ تعالى ـ أجلّ وأعلى عنده ، من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدّنيويّة.
فإن قيل : كيف يلزم من ترك الحلف حصول البرّ والتّقوى ، والإصلاح بين النّاس؟ فالجواب : أنّ من ترك الحلف ؛ لاعتقاده أنّ الله أعظم وأجلّ من أن يستشهد باسمه المعظّم في طلب الدّنيا ، وخسائس مطالب الحلف ، ولا شك أن هذا من أعظم أبواب البرّ.
__________________
(١) ينظر : تفسير الفخر الرازي ٦ / ٦٤ ـ ٦٥.
(٢) ينظر : الكشاف ١ / ٢٦٧.
(٣) ينظر ديوانه ٢ / ٢٢٠ ، البحر ٢ / ١٨٧ ، اللسان : (ألا) ، الدر المصون ١ / ٥٥١.