لأنّه لو لم يكن كذلك ، كان المذكور الثاني غير الأول ، وهذا غير واضح ؛ لأنّ الألف كقوله: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح : ٥ ، ٦].
فقال أبو البقاء (١) : «ليس المراد تعظيم القتال المذكور المسؤول عنه ، حتى يعاد بالألف واللام ، بل المراد تعظيم أيّ قتال كان ، فعلى هذا «قتال» الثاني غير الأول ، وهذا غير واضح ؛ لأنّ الألف واللام في الاسم السّابق المعاد أولا لا تفيد تعظيما ، بل إنما تفيد العهد في الاسم السابق. وأحسن منه قول بعضهم : إنّ الثّاني غير الأول ، وذلك أنّ سؤالهم عن قتال عبد الله جحش ، وكان لنصرة الإسلام وخذلان الكفر ؛ فليس من الكبائر ، بل الذي من الكبائر قتال غير هذا ، وهو ما كان فيه إذلال الإسلام ، ونصرة الكفر ، فاختير التنكير في هذين اللفظين ؛ لهذه الدقيقة ، ولو جيء بهما معرفتين ، أو بأحدهما معرّفا ، لبطلت هذه الفائدة.
فصل
روى أكثر المفسرين عن ابن عباس : سبب نزول هذه الآية أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بعث عبد الله بن جحش الأسديّ ، وهو ابن عمّته قبل قتال بدر بشهرين على رأس سبعة شهرا من الهجرة وبعث معه ثمانية رهط ، من المهاجرين ؛ سعد بن أبي وقّاص الزهري وعكاشة بن محصن الأسدي ، وعتبة بن غزوان السّلمي ، وأبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة ، وسهيل ابن بيضاء ، وعامر بن ربيعة ، وواقد بن عبد الله الحنظليّ ، وخالد بن بكير ، وكتب معهم لأميرهم عبد الله بن جحش كتابا وعهدا ، ودفعه إليه ، وقال : سر على اسم الله ، ولا تنظر في الكتاب حتى تسير يومين ، فإذا نزلت ، فافتح الكتاب واقرأه على أصحابك ، ثمّ امض إلى ما أمرتك ، ولا تستكرهنّ أحدا من أصحابك على السّير معك ، فسار عبد الله يومين ، ثم نزل وفتح الكتاب ، وإذا فيه «بسم الله الرّحمن الرّحيم» أمّا بعد : فسر على بركة الله بمن معك من أصحابك ؛ حتّى تنزل بطن نخلة (٢) ، فترصد بها عير قريش ؛ لعلك تأتينا منهم بخبر ، فلمّا نظر في الكتاب ، قال سمعا وطاعة ، ثم قال لأصحابه ذلك ، وقال : إنّه نهاني أن أستكره أحدا منكم ؛ فمن كان يريد الشهادة ، فلينطلق معي ، ومن كره ، فليرجع ، ثم مضى ، ومضى معه أصحابه ، لم يتخلّف عنه منهم أحد ، حتى كان بمعدن فوق الفرع يقال له نجران ، أضلّ سعد بن أبي وقّاص ، وعتبة بن غزوان بعيرا لهما ، كانا يعتقبانه ؛ فتخلفا عليه في طلبه ومضى ببقية أصحابه ، حتى نزل «ببطن نخلة» بين «مكّة» و «الطائف» فبينما هم
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٩٢.
(٢) قرية قريبة من المدينة على طريق البصرة ينظر معجم البلدان ١ / ٥٣٣.