آيات سبع تختصر في دعاء ابراهيم الخليل كل ما سأل في منحدر عمره وخاتمة أمره ، انسان ذاكر شاكر لنعمت الله ، يدعو ربه في بيته العتيق ، بمشهد خاشع يظلله الشكر وتشيع فيه الضراعة ويتجاوب فيه الدعاء في نعمة رخية تتموج ذاهبة الى السماء : (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ..) مما يلمح بكون مكة بلدا حينذاك ، وترى كيف يكون واد غير ذي زرع بلدا ولم يعمّر بعد؟ علّه لأنه أم القرى مهما كان وقتئذ واديا غير ذي زرع ، فهو بلد قبل عماره وبعده ، قبل بناء البيت وبعده ، ولكنه قبل بناء البيت يدعو له كأنه ليس بلدا : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ رَبَّنا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ، رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنا مَناسِكَنا وَتُبْ عَلَيْنا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ، رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٢ : ١٢٩) وقد يعني جعل الأمن فيه حال كونه بلدا حيث الجعل مركب يكفيه «آمنا» امرا حديثا ولم يكن من ذي قبل.
وقد يلمح اختلاف الدعائين في عديد من بنودهما انهما في ظرفين ، مهما اشتركا في جهات أخرى فمن (رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي) في ابراهيم نعرف أنها السفرة الاولى الإبراهيمية حين أخذ اليه إسماعيل الرضيع وأمه.
ومن (إِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْماعِيلُ) في البقرة نعرف انها الاخرى حين كبر إسماعيل لحد إمكانية المساعدة معه لرفع القواعد من البيت ، ف (رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً) هي دعائه قبل بناء البيت بسنين ، ولا اقل من عشر ام زاد ، فهل انه كان بلدا حينذاك ولم يكن بعده بسنين