الباء في «بكم» هنا تصلح لمثلث المعنى : ظرفية ومعية وسببية : .. فيكم ومعكم ومنكم ـ إذا فهي تحلّق على كافة النعم التي تفيدنا ونستفيد منها ، مما نحوطها وتحوطنا (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها) وعرفان النعمة من شكرانها ، ونكرانها كفرانها ، ف «ما من عبد أذنب ذنبا فندم عليه إلا غفر الله له قبل أن يستغفر وما من عبد أنعم الله عليه نعمة فعرف انها من عند الله إلا غفر الله له قبل ان يحمده» (١) وترى كيف تكون النعم التي هي منا ماديا أو معنويا ، هي من الله ، فليكن الايمان وهو قمة النعم التي منا هو من الله؟ «ومن لم يعلم ان لله عليه نعمة إلا في مطعم او ملبس فقد قصر عمله ودنى عذابه» (٢).
هي من الله حيث خلق لنا أسبابها مادية او معنوية ، فقد كتب مادة الايمان في كتاب فطرنا وعقولنا ، ثم ايدهما نضجا لهما وتكاملا بآيات آفاقية من رسل ببيّناتهم وسواهم وسواها ، ثم إذا آمنا بهذه المهيّات السهلة السمحة يزيدنا ايمانا (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) ـ إذا فنعمة الايمان هي منه اكثر مما هي منا ، والذي منا هو كذلك نعمة من الله أن هدانا سبلنا (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ).
وهنا نعرف مدى الحق الحقيق بالتصديق من الحديث القدسي «يا ابن آدم انا اولى منك بحسناتك وأنت اولى مني بسيآتك» وقد تصدقه (بِيَدِكَ الْخَيْرُ).
فحين تكون النعم كلها من الله ، بعد انه الخالق المدبر المشرّع ، فليكن الشكر وأعلاه العبادة ، كلّه لله ، حيث النعمة ـ ولا سيما هذه الغزيرة ـ هي التي تتطلب الشكر اضافة الى جمال الذات والصفات الذي ليس فوقه جمال ولا
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٦١ ، عن اصول الكافي بسنده عن ابان بن تغلب قال : سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول :
(٢) المصدر عن تفسير القمي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) حديث طويل وفيه يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) :