لكلّ من المعرفة والعبودية مراحل عدة ، فالمعرفة العقلية لأبسط مراحلها هي مقدمة ضرورية لأبسط مراتب العبودية ، فإذ لا معبود معروفا فأين العبادة ، فهنا المعرفة تتقدم على العبودية تقدمة ضرورية ، ثم هما فرقدان اثنان يكمّل بعضهما البعض ، كلما ازدادت العبودية عمقا ازدادت المعرفة وكلما ازدادت المعرفة ازدادت العبودية عدة وعدة ، بفارق ان العبودية لا سبيل لها أصلا وتكاملا إلّا المعرفة ولكنما المعرفة تتكامل بسائر الأدلة كما تتكامل بالعبودية وهذه أعمقها لعمق المعرفة.
فالأدلة الفطرية والعقلية والحسية اما هيه عساكر عدة لتكامل المعرفة ، ولكنها ما لم تكن عشيرة العبودية لا تتكامل كما يحق ، فلا بد لكمال المعرفة تناصر دليليها ، ومن ثم كمال العبودية ، فالأصل الأصيل بينهما هو العبودية حيث تضم الى نفسها المعرفة ، فلذلك (ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) واما (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فهو اليقين المعرفة الاطمئنان في العبودية وليست لها نهاية إذ ليس للمعروف المعبودية حد ولا نهاية.
وهنا نتبين ان آية البقرة الجاعلة العبودية الهدف الأقصى والاسمى الوحيدة من الخلقة ، لا تعارض آية الحجر القائلة (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) فان «حتى» لا تعني الغاية الذاتية لما قبلها ، بل هي الزمنية ، المترتبة على العبودية ، والى غير النهاية ، دون الغاية المنحصرة ، وأية منافاة بين أن تكون العبودية غاية المعرفة ، ثم هي تغيّى زمنيّا باليقين وهي أخص من مطلق المعرفة ، حيث يعني طمأنينة المعرفة غير المتناهية.
فمع ان معرفة الله هي من الأصول الاصيلة بل هي رأس الزاوية ، ولكنها لا تعنى بحد ذاتها ، اللهم الا تذرعا الى العبودية ، فحتى لو دار الأمر بين المعرفة والعبودية فالعبودية هي الفضلى دون المعرفة ، ولكنه لا يراد من المعرفة إلّا للعبودية ، كما وان العبودية تزيد في المعرفة.