فأيقنت أن الطّرف قد قال مرحبا |
|
وأهلا وسهلا بالحبيب المتيّم |
فإنما نفى الكلام اللفظيّ ، لا مطلق الكلام ، ولو أراد بقوله «ولم تتكلم» نفي غير الكلام اللفظيّ لانتقض بقوله «فأيقنت أن الطرف قد قال مرحبا» ؛ لأنه أثبت للطرف قولا ، بعد أن نفى الكلام ، والمراد نفي الكلام اللفظي ، وإثبات الكلام اللّغوي.
والدليل عليه فيما نطق به لسان الحال قول نصيب :
______________________________________________________
ألا قل لهند : احرجي وتأثّمي |
|
ولا تقتليني ، لا يحلّ لكم دمي |
الإعراب : «أشارت» فعل ماض اتصل بتاء التأنيث ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هي ، «بطرف» جار ومجرور متعلق بأشارت ، وطرف مضاف و «العين» مضاف إليه ، «خيفة» مفعول لأجله ، وهو مضاف وأهل من «أهلها» مضاف إليه ، وأهل مضاف وضمير الغائبة مضاف إليه ، «إشارة» مفعول مطلق يبين نوع العامل ، وإشارة مضاف ، و «مخزون» مضاف إليه ، «ولم» الواو عاطفة ، لم : حرف نفي وجزم وقلب ، «تتكلم» فعل مضارع مجزوم بلم ، وعلامة جزمه السكون ، وحرك بالكسر لأجل الرويّ ، «أيقنت» فعل وفاعل ، «أن» حرف توكيد ونصب ، «الطرف» اسم أن ، «قد» حرف تحقيق ، «قال» فعل ماض ، وفاعله ضمير مستتر فيه جوازا تقديره هو يعود إلى الطرف ، والجملة في محل رفع خبر أن ، وأن وما دخلت عليه في تأويل مصدر منصوب مفعول به لأيقن ، «مرحبا» مفعول مطلق لفعل محذوف ، وتقديره : أرحب مرحبا أي أرحب بك ترحيبا ، «وأهلا وسهلا» كل منهما مفعول به لفعل محذوف : أي صادفت أهلا ولقيت مكانا سهلا ، «بالحبيب» جار ومجرور متعلق بقوله مرحبا ، «المتيم» نعت للحبيب.
الشّاهد فيه : أنت ترى أن الشاعر في هذين البيتين قد أثبت أولا الإشارة بطرف العين ، ثم نفى الكلام في قوله «ولم تتكلم» ، ثم سمى بعد ذلك إشارة العين قولا ، وحكى في تفسير هذا القول والدلالة عليه جملا مفيدة ؛ فلو أنك حملت الكلام المنفي على الكلام المطلق ـ أي ما يعم اللفظي والنفسي والإشارة ونحوها ـ لأصبح كلام هذا الشاعر ينقض بعضه بعضا ؛ إذ كيف ينفي الكلام بالإشارة وهو يثبت بعد ذلك أن هذه الإشارة قول ، وهو قد عبر عن مدلولها بجمل متعددة ذوات معان مفيدة؟ وإذا كان الأمر بهذه المثابة لزمنا أن نحمل الكلام المنفي على نوع خاص من الكلام لا يكون هو الذى أثبته فيما بعد ذلك ، وليكن المنفي هو الكلام اللفظي ، والمثبت هو الذي حدث عنه أولا بأنه إشارة بطرف العين ، فدل ذلك على أن الإشارة يصح أن يطلق عليها في اللغة «كلام» وهذا الكلام ـ بعد هذا الذي بيناه ـ في غاية الوضوح فافهمه.