قلت : هو كما ذكرت ، ولكنه لم يجعل علة لها ، وإنما جعل علة لاجتماع الأمور الأربعة للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ وهي المغفرة ، وإتمام النعمة ، والهداية إلى الصراط المستقيم ، وحصول النصر العزيز ـ ولا شك [في] أن اجتماعها له حصل حين فتح الله تعالى مكة عليه.
وإنما مثّلت بهذه الآية لأنها قد يخفي التعليل فيها على من لم يتأملها.
الثانية : لام العاقبة ؛ وتسمى أيضا لام الصّيرورة ، ولام المآل ، وهي التي يكون ما بعدها نقيضا لمقتضى ما قبلها ، نحو : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص ، ٨] فإن التقاطهم له إنما كان لرأفتهم عليه ، ولما ألقى الله تعالى عليه من المحبة فلا يراه أحد إلا أحبّه ؛ فقصدوا أن يصيّروه قرّة عين لهم ، فآل بهم الأمر إلى أن صار عدوّا لهم وحزنا.
الثالثة : اللام الزائدة ، وهي : الآتية بعد فعل متعدّ ، نحو : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء ، ٢٦] (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ) [الأحزاب ، ٣٣] (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام ، ٧١] فهذه الأقسام الثلاثة يجوز لك إظهار «أن» بعدهن ، قال الله تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ) [الزمر ، ١٢].
الرابعة : لام الجحود ، وهي الآتية بعد كون ماض منفيّ ، كقول الله تعالى : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) [آل عمران ، ١٧٩] (وَما كانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ) [آل عمران ، ١٧٩] وهذه يجب إضمار «أن» بعدها (١).
__________________
(١) من هذا الكلام وما سيذكره الشارح في مباحث حروف العطف التي تضمر أن بعدها يتبين لك أن إضمار أن على ثلاثة أقسام :
الأول : إضمار واجب ـ على معنى أنه لا يجوز لك أن تأتي بأن في الكلام ـ وذلك مع حتى ، وكي التعليلية ، وواو المعية ، وفاء السببية.
الثاني : إضمار ممتنع ـ وذلك على معنى أنه يجب عليك أن تأتي بأن في الكلام ـ وذلك فيما إذا سبقتها لام التعليل وأتت بعدها لا النافية نحو قوله تعالى : (لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ) فإن «أن» ههنا موجودة في اللفظ إلا أن نونها مدغمة في لام «لا» النافية.
الثالث : إضمار جائز ـ على معنى أنه يجوز لك أن تأتي بأن في الكلام ويجوز لك ألا تأتي بها ـ وذلك بعد لام التعليل إذا لم تقع بعدها لا النافية ، نحو ذاكر لتنجح ، ويجوز لأن تنجح ، وبعد الحروف العاطفة على اسم خالص (وانظر ص ٣١٨ الآتية).