هذا رأي
الجمهور ، وزعم الكسائي أن نصب المتقدم بالعامل المؤخر على إلغاء العائد ، وقال
الفراء : الفعل عامل في الظاهر المتقدم وفي الضمير المتأخر.
وردّ على
الفراء بأن الفعل الذي يتعدى لواحد يصير متعديا لاثنين ، وعلى الكسائي بأن الشاغل
قد يكون غير ضمير السابق ، ك «ضربت غلامه» ، فلا يستقيم إلغاؤه.
ثم
قلت : ومنه المنادى ، وإنّما يظهر نصبه إذا كان مضافا أو شبهه أو نكرة مجهولة ،
نحو : «يا عبد الله» و «يا طالعا جبلا» وقول الأعمى : «يا رجلا خذ بيدي».
وأقول
: المنادى نوع
من أنواع المفعول به ، وله أحكام تخصه فلهذا أفردته بالذكر ، وبيان كونه مفعولا به
أن قولك «يا عبد الله» أصله يا أدعو عبد الله ، ف «يا» حرف تنبيه ، و «أدعو» فعل
مضارع قصد به الإنشاء لا الإخبار ، وفاعله مستتر ، و «عبد الله» مفعول به ومضاف
إليه ، ولما علموا أن الضرورة داعية إلى استعمال النداء كثيرا أوجبوا فيه حذف
الفعل اكتفاء بأمرين :
أحدهما
: دلالة قرينة
الحال.
والثاني
: الاستغناء بما
جعلوه كالنائب عنه والقائم مقامه وهو «يا» وأخواتها.
وقد تبيّن بهذا
أن حقّ المناديات كلها أن تكون منصوبة ؛ لأنها مفعولات ، ولكن النصب إنما يظهر إذا
لم يكن المنادى مبنيّا ، وإنما يكون مبنيّا إذا أشبه الضمير بكونه مفردا معرفة ؛ فإنه
حينئذ يبنى على الضمة أو نائبها ، نحو : «يا زيد» و «يا زيدان» و «يا زيدون» ،
وأما المضاف والشبيه بالمضاف والنكرة غير المقصودة فإنهن يستوجبن ظهور النصب ، وقد
مضى ذلك كله مشروحا ممثلا في باب البناء ، فمن أحبّ الوقوف عليه فليرجع إليه.
ثم
قلت : والمنصوب بأخصّ بعد ضمير متكلّم ، ويكون بأل نحو «نحن العرب أقرى النّاس
للضّيف» ومضافا نحو : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ، ما تركنا صدقة» و «إيّا»
فيلزمها ما يلزمها في النّداء ، نحو : «أنا أفعل كذا أيّها الرّجل» وعلما قليلا ؛
فنحو «بك الله نرجو الفضل» شاذّ من وجهين.