(سيدي الوالد :
إلى نفسك الطاهرة ، وحكمتك العالية ، وأدبك الجمّ ، وفضلك الغزير ، أقدّم كتابي هذا ، لقد ربيتني على الفضيلة ، وحببت إليّ العمل ، وزهدتني في الدعة والونى ، وعند الله في ذلك جزاؤك ، فليس بيدي شيء منه ، ولا في استطاعتي أن أناله ، ولو رقيت أسباب السماء ، ولكني أتقدم إليك بكتابي هذا برهانا على أنك غرست فأثمرت ، وبذرت فأنميت ، ودليلا على أن غراسك سيزداد نموّا بمر الأيام إلى أن يؤتي أكله مرتين بإذن الله) ، والحق أن الغراس قد آتى أكله مرات عدة ، فإن ما أخرجه الأستاذ من الكتب العلمية تأليفا وتحقيقا ليعجز القرناء ، حتى ليأتوا خلفه تابعين» (١).
«تتلمذ الأستاذ محمد محيي عبد الحميد على جيل الرواد الإسلاميين الكبار الذين ازدانت بهم الحياة المصرية في أوائل القرن العشرين ، وكانوا دعامة النهضة العربية والأدبية والوطنية في العالم العربي كافة ، ومضى على تخرجه في الأزهر الشريف ـ يحمل شهادة العالمية أعلى شهاداته العلمية آنذاك ـ نحو نصف قرن من الزمان ، وكان نجاحه بل تفوقه يومئذ مثار الدهشة ، فقد جاء الأول على فحول أقرانه من العلماء» (٢).
«واختير مدرسا بالجامع الأزهر ، وظهر من دلائل فضله العلمي ما أعدّه بعد خمس سنوات فحسب ، لأن يكون مدرسا بكلية اللغة العربية سنة ١٩٣١ م ، إذ أصدر عدة أجزاء من شرح خزانة الأدب للبغدادي ، جاءت خالية من التحريف ، وحافلة بالضبط والتعليق ، فأذاعت علمه كما أذاعه تلاميذه الذين نهلوا من حياضه ، وأساتذته من المفتشين الذين شهدوا بنبوغه وتحدثوا عنه مكبرين ، وقد كان أصغر أعضاء هيئة التدريس بالكلية سنّا ، ولكن مقامه العلمي دفعه إلى الصدارة ، فاختير سنة ١٩٣٥ م للتدريس بتخصص المادة لطلبة الدراسات العليا ، وزامل الكبار من أساتذته مزاملة خصبة مثمرة فاعترفوا بفضله ، وسمعه الإمام المراغيّ في زيارته المتعاقبة للكلية
__________________
(١) من كتاب «النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين» للدكتور إبراهيم رجب البيومي ، عميد كلية اللغة العربية بالمنصورة.
(٢) من قرار جامعة الأزهر بترشيحه لنيل جائزة الدولة التقديرية في الآداب سنة ١٩٧١ م.