هاشم على عادة أهل الشيع والأهواء من تحميل كتاب الله ما لا يتحمله ومن قصر عموماته على بعض ما يراد منها.
وقرأ نافع وحده (عَسَيْتُمْ) بكسر السين. وقرأه بقية العشرة بفتح السين وهما لغتان في فعل عسى إذا اتصل به ضمير. قال أبو علي الفارسي : وجه الكسر أن فعله : عسي مثل رضي ، ولم ينطقوا به إلّا إذا أسند هذا الفعل إلى ضمير ، وإسناده إلى الضمير لغة أهل الحجاز ، أما بنو تميم فلا يسندونه إلى الضمير البتة ، يقولون : عسى أن تفعلوا.
(أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ (٢٣))
الإشارة إلى الذين في قلوبهم مرض على أسلوب قوله آنفا : (أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [محمد : ١٦] ولا يصح أن تكون الإشارة إلى ما يؤخذ من قوله : (أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ) [محمد : ٢٢] لأن ذلك لا يستوجب اللعنة ولا أن مرتكبيه بمنزلة الصمّ ، على أن في صيغة المضيّ في أفعال : لعنهم ، وأصمّهم ، وأعمى ، ما لا يلاقي قوله : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ) [محمد : ٢٢] ولا ما في حرف (إن) من زمان الاستقبال.
واستعير الصمم لعدم الانتفاع بالمسموعات من آيات القرآن ومواعظ النبيصلىاللهعليهوسلم ، كما استعير العمى هنا لعدم الفهم على طريقة التمثيل لأن حال الأعمى أن يكون مضطربا فيما يحيط به لا يدري نافعه من ضارّه إلا بمعونة من يرشده ، وكثر أن يقال : أعمى الله بصره ، مرادا به أنه لم يهده ، وهذه هي النكتة في مجيء تركيب (وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) مخالفا لتركيب (فَأَصَمَّهُمْ) إذ لم يقل : وأعمالهم.
وفي الآية إشعار بأن الفساد في الأرض وقطيعة الأرحام من شعار أهل الكفر ، فهما جرمان كبيران يجب على المؤمنين اجتنابهما.
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها (٢٤))
تفريع على قوله : (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) [محمد : ٢٣] ، أي هلا تدبروا القرآن عوض شغل بالهم في مجلسك بتتبع أحوال المؤمنين ، أو تفريع على قوله : (فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ). والمعنى : أن الله خلقهم بعقول غير منفعلة بمعاني الخير والصلاح فلا يتدبرون القرآن مع فهمه أو لا يفهمونه عند تلقيه وكلا الأمرين عجيب.
والاستفهام تعجيب من سوء علمهم بالقرآن ومن إعراضهم عن سماعه. وحرف