ومؤدى التعليل لأنه لما جعل الشيء من الإغناء معلقا نفيه بزمان جحدهم بآيات الله كما يستفاد من إضافة (إِذْ) إلى الجملة بعدها ، علم أن لذلك الزمان تأثيرا في نفي الإغناء.
وآيات الله دلائل إرادته من معجزات رسولهم ومن البراهين الدالة على صدق ما دعاهم إليه. وقد انطبق مثالهم على حال المشركين فإنهم جحدوا بآيات الله وهي آيات القرآن لأنها جمعت حقيقة الآيات بالمعنيين.
وحاق بهم : أحاط بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) العذاب ، عدل عن اسمه الصريح إلى الموصول للتنبيه على ضلالهم وسوء نظرهم.
(وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى وَصَرَّفْنَا الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧))
أتبع ضرب المثل بحال عاد مع رسولهم بأن ذلك المثل ليس وحيدا في بابه فقد أهلك الله أقواما آخرين من مجاوريهم تماثل أحوالهم أحوال المشركين ، وذكّرهم بأن قراهم قريبة منهم يعرفها من يعرفونها ويسمع عنها الذين لم يروها ، وهي قرى ثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة وسبأ وقوم تبع ، والجملة معطوفة على جملة (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ) [الأحقاف : ٢١] إلخ. وكنّي عن إهلاك الأقوام بإهلاك قراهم مبالغة في استئصالهم لأنه إذا أهلكت القرية لم يبق أحد من أهلها كما كنّى عنترة بشك الثياب عن شك الجسد في قوله :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه
ومنه قوله تعالى : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) [المدثر : ٤].
وتصريف الآيات تنويعها باعتبار ما تدلّ عليه من الغرض المقصود منها وهو الإقلاع عن الشرك وتكذيب الرسل ، وأصل معنى التصريف التغيير والتبديل لأنه مشتق من الصرف وهو الإبعاد. وكنّي به هنا عن التبيين والتوضيح لأن تعدد أنواع الأدلة يزيد المقصود وضوحا. ومعنى تنويع الآيات أنها تارة تكون بالحجة والمجادلة النظرية ، وتارة بالتهديد على الفعل ، وأخرى بالوعيد ، ومرة بالتذكير بالنعم وشكرها. وجملة (لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) مستأنفة لإنشاء الترجّي وموقعها موقع المفعول لأجله ، أي رجاء رجوعهم.
والرجوع هنا مجاز عن الإقلاع عمّا هم فيه من الشرك والعناد ، والرجاء من الله تعالى يستعمل مجازا في الطلب ، أي توسعة لهم وإمهالا ليتدبروا ويتّعظوا. وهذا تعريض بمشركي أهل مكة فهم سواء في تكوين ضروب تصريف الآيات زيادة على ما صرف لهم