على جميع الاحتمالات في معنى قولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) لأن جميعها يقتضي أنه عالم بوقته.
والحصر هنا حقيقي كقوله : (لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ) [الأعراف : ١٨٧] والمقصود من هذا الحصر شموله نفي العلم بوقت العذاب عن المتكلم ردا على قولهم : (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا).
و (عِنْدَ) هنا مجاز في الانفراد بالعلم ، أي فالله هو العالم بالوقت الذي يرسل فيه العذاب لحكمة في تأخيره.
ومعنى (وَأُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) أنه بعث مبلغا أمر الله وإنذاره ولم يبعث للإعلام بوقت حلول العذاب كقوله تعالى : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْساها* فِيمَ أَنْتَ مِنْ ذِكْراها* إِلى رَبِّكَ مُنْتَهاها* إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٢ ـ ٤٥] ، فقوله: (أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ) جملة معترضة بين جملة (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) وجملة (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ).
وموقع الاستدراك بقوله : (وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) أنه عن قوله : (إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللهِ) ، أي ولكنكم تجهلون صفات الله وحكمة إرساله الرسل ، فتحسبون أن الرسل وسائط لأنها اقتراح الخلق على الله أن يريهم العجائب ويساجلهم في الرغائب ، فمناط الاستدراك هو معمول خبر (لكنّ) وهو (قَوْماً تَجْهَلُونَ) ، والتقدير : ولكنكم قوم يجهلون ، فإدخال حرف الاستدراك على ضمير المتكلم عدول عن الظاهر لئلا يبادرهم بالتجهيل استنزالا لطائرهم ، فجعل جهلهم مظنونا له لينظروا في صحة ما ظنه من عدمها. وإنما زيد (قَوْماً) ولم يقتصر على (تَجْهَلُونَ) للدلالة على تمكن الجهالة منهم حتى صارت من مقوّمات قوميتهم وللدلالة على أنها عمت جميع القبيلة كما قال لوط لقومه (أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ) [هود : ٧٨].
وقرأ الجمهور (وَأُبَلِّغُكُمْ) بتشديد اللام. وقرأه أبو عمرو بتخفيف اللام. يقال : بلّغ الخبر بالتضعيف وأبلغه بالهمز ، إذا جعله بالغا.
[٢٤ ، ٢٥] (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ (٢٤) تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاَّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (٢٥))