والمعنى : أنّهم لو آمنوا بما أنزل الله لانتفعوا بأعمالهم الصّالحة في الآخرة وهي المقصود الأهمّ وفي الدنيا على الجملة. وقد حصل من ذكر هذا الخاص بعد العام تأكيد الخير المذكور.
(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها (١٠))
تفريع على جملة (وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ) [محمد : ٨] الآية ، وتقدم القول في نظائر (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) في سورة الروم [٩] وفي سورة غافر [٢١].
والاستفهام تقريري ، والمعنى : أليس تعس الذين كفروا مشهودا عليه بآثاره من سوء عاقبة أمثالهم الذين كانوا قبلهم يدينون بمثل دينهم.
وجملة (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ) استئناف بياني ، وهذا تعريض بالتهديد. والتدمير : الإهلاك والدمار وهو الهلك. وفعل (دَمَّرَ) متعد إلى المدمّر بنفسه ، يقال : دمرهم الله ، وإنما عدي في الآية بحرف الاستعلاء للمبالغة في قوة التدمير ، فحذف مفعول (دَمَّرَ) لقصد العموم ، ثم جعل التدمير واقعا عليهم فأفاد معنى (دَمَّرَ) كل ما يختصّ بهم ، وهو المفعول المحذوف ، وأن التدمير واقع عليهم فهم من مشموله.
وجملة (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) اعتراض بين جملة (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) وبين جملة (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا) [محمد : ١١]. والمراد بالكافرين : كفار مكة. والمعنى : ولكفاركم أمثال عاقبة الذين من قبلهم من الدّمار وهذا تصريح بما وقع به التعريض للتأكيد بالتعميم ثم الخصوص.
وأمثال : جمع مثل بكسر الميم وسكون الثاء ، وجمع الأمثال لأن الله استأصل الكافرين مرات حتى استقر الإسلام فاستأصل صناديدهم يوم بدر بالسيف ، ويوم حنين بالسيف أيضا ، وسلط عليهم الريح يوم الخندق فهزمهم وسلط عليهم الرعب والمذلة يوم فتح مكة ، وكل ذلك مماثل لما سلطه على الأمم في الغاية منه وهو نصر الرسول صلىاللهعليهوسلم ودينه ، وقد جعل الله ما نصر به رسوله صلىاللهعليهوسلم أعلى قيمة بكونه بيده وأيدي المؤمنين مباشرة بسيوفهم وذلك أنكى للعدو. وضمير (أَمْثالُها) عائد إلى (عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) باعتبار أنها حالة سوء.