الشيء يعمي ويصم.
كانوا يقولون بين أقوالهم : إن محمدا صلىاللهعليهوسلم وأصحابه أكلة ـ بفتحات ثلاث ـ رأس ـ كناية عن القلة ، أي يشبعهم رأس بعير ـ لا يرجعون ، أي هم قليل بالنسبة لقريش والأحابيش وكنانة ، ومن في حلفهم.
وإن (السَّوْءِ) أعم من ظنهم أن لا يرجع الرسول صلىاللهعليهوسلم والمؤمنون ، أي ظننتم ظن السوء بالدين وبمن بقي من الموقنين لأنهم جزموا باستئصال أهل الحديبيّة وأنّ المشركين ينتصرون ثم يغزون المدينة بمن ينضمّ إليهم من القبائل فيسقط في أيدي المؤمنين ويرتدون عن الدين فذلك ظن السوء. والسّوء بفتح السين تقدم آنفا في قوله : (الظَّانِّينَ بِاللهِ ظَنَّ السَّوْءِ) [الفتح : ٦].
والبور : مصدر كالهلك بناء ومعنى ، ومثله البوار بالفتح كالهلاك ولذلك وقع وصفا بالإفراد وموصوفه في معنى الجمع. والمراد الهلاك المعنوي ، وهو عدم الخير والنفع في الدين والآخرة نظير قوله تعالى : (يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ) في سورة براءة [٤٢].
وإقحام كلمة (قَوْماً) بين (كُنْتُمْ) و (بُوراً) لإفادة أن البوار صار من مقوّمات قوميتهم لشدة تلبسه بجميع أفرادهم كما تقدم عند قوله تعالى (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤]. وقوله : (وَما تُغْنِي الْآياتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ) في سورة يونس [١٠١].
(وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ سَعِيراً (١٣))
جملة معترضة بين أجزاء القول المأمور به في قوله : (قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) [الفتح : ١١] الآيات وقوله : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [آل عمران : ١٨٩] وهذا الاعتراض للتحذير من استدراجهم أنفسهم في مدارج الشك في إصابة أعمال الرسول صلىاللهعليهوسلم أن يفضي بهم إلى دركات الكفر بعد الإيمان إذ كان تخلفهم عن الخروج معه وما عللوا به تثاقلهم في نفوسهم وإظهار عذر مكذوب أضمروا خلافه ، كل ذلك حوما حول حمى الشك يوشكون أن يقعوا فيه.
و (مَنْ) شرطية. وإظهار لفظ الكافرين في مقام أن يقال : اعتدنا لهم سعيرا ، لزيادة تقرير معنى (مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ).