[٢٨ ، ٢٩] (قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) ما يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَما أَنَا بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩))
هذا حكاية كلام يصدر يومئذ من جانب الله تعالى للفريقين الذي اتّبعوا والذين اتّبعوا ، فالضمير عائد على غير مذكور في الكلام يدل عليه قوله : (فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ) [ق : ٢٢].
وعدم عطف فعل (قالَ) على ما قبله لوقوعه في معرض المقاولة ، والتعبير بصيغة الماضي لتحقق وقوعه فقد صارت المقاولة بين ثلاثة جوانب.
والاختصام : المخاصمة وهو مصدر بصيغة الافتعال التي الأصل فيها أنها لمطاوعة بعض الأفعال فاستعملت للتفاعل مثل : اجتوروا واعتوروا واختصموا.
والنهي عن المخاصمة بينهم يقتضي أن النفوس الكافرة ادعت أن قرناءها أطغوها ، وأن القرناء تنصلوا من ذلك وأن النفوس أعادت رمي قرنائها بذلك فصار خصاما فلذلك قال الله تعالى : (لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَ) وطوي ذكره لدلالة (لا تَخْتَصِمُوا) عليه إيثارا لحق الإيجاز في الكلام. والنهي عن الاختصام بعد وقوعه بتأويل النهي عن الدوام عليه ، أي كفوا عن الخصام.
ومعنى النهي أن الخصام في ذلك لا جدوى له لأن استواء الفريقين في الكفر كاف في مؤاخذة كليهما على السواء كما قال تعالى : (قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٣٨] ، وذلك كناية عن أن حكم الله عليهم قد تقرر فلا يفيدهم التخاصم لإلقاء التبعة على أحد الفريقين.
ووجه استوائهما في العذاب أن الداعي إلى إضلاله قائم بما اشتهته نفسه من ترويج الباطل دون نظر في الدلائل الوزاعة عنه وأن متلقّي الباطل ممن دعاه إليه قائم بما اشتهته نفسه من الطاعة لأئمة الضلال فاستويا في الداعي وترتّب أثره.
والواو في (وَقَدْ قَدَّمْتُ) واو الحال. والجملة حال من ضمير (تَخْتَصِمُوا) وهي حال معللة للنهي عن الاختصام.
والمعنى : لا تطمعوا في أنّ تدافعكم في إلقاء التبعة ينجيكم من العقاب بعد حال إنذاركم بالوعيد من وقت حياتكم فما اكترثتم بالوعيد فلا تلوموا إلا أنفسكم لأن من أنذر