ومناسبة تعريف ذلك المكان بهذه الإضافة الإشارة إلى أن جمع المشركين نزلوا من أرض الحرم المكي إذ نزلوا من جبل التنعيم وهو من الحرم وكانوا أنصارا لأهل مكة.
ويتعلّق قوله : (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ) بفعل (كَفَ) باعتبار تعديته إلى المعطوف على مفعوله ، أعني : (وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) لأنه هو الكف الذي حصل بعد ظفر المسلمين بفئة المشركين على حسب تلك الرواية والقرينة ظاهرة من قوله : (مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ). وهذا إشارة إلى أن كف أيدي بعضهم عن بعض كان للمسلمين إذا منّوا على العدوّ بعد التمكن منه. فعدي (أَظْفَرَكُمْ) ب (على) لتضمينه معنى أيّدكم وإلا فحقه أن يعدى بالباء.
وجملة (وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً) تذييل للتي قبلها ، والبصير بمعنى العليم بالمرئيّات ، أي عليما بعملكم حين أحطتم بهم وسقتموهم إلى النبي صلىاللهعليهوسلم تظنون أنكم قاتلوهم أو آسروهم.
وقرأ الجمهور (تَعْمَلُونَ) بتاء الخطاب. وقرأه أبو عمرو وحده بياء الغيبة ، أي عليما بما يعملون من انحدارهم على غرة منكم طامعين أن يتمكنوا من أن يغلبوكم وفي كلتا القراءتين اكتفاء ، أي كان الله بما تعملون ويعملون بصيرا ، أو بما يعملون وتعملون بصيرا ، لأن قوله : (كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) يفيد عملا لكل فريق ، أي علم نواياكم فكفها لحكمة استبقاء قوتكم وحسن سمعتكم بين قبائل العرب وأن لا يجد المشركون ذريعة إلى التظلم منكم بالباطل.
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٢٥))
(هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ).
استئناف انتقل به من مقام الثناء على المؤمنين الذين بايعوا رسول اللهصلىاللهعليهوسلم وما اكتسبوا بتلك البيعة من رضى الله تعالى وجزائه ثواب الآخرة وخير الدنيا عاجله وآجله ، وضمان النصر لهم في قتال المشركين ، وما هيّأ لهم من أسباب النصر إلى تعيير المشركين بالمذمة التي أتوا بها وهي صد المسلمين عن المسجد الحرام وصد الهدي عن أن يبلغ به إلى أهله ، فإنها سبة لهم بين العرب وهم أولى الناس بالحفاوة بمن يعتمرون ، وهم