ورجع هو وأتباعه وكانوا ثلث الجيش وذلك سنة ثلاث من الهجرة ، أي بعد نزول هذه الآية بنحو ثلاث سنين.
وقوله : (فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ) جواب كما تقدم ، وفي الكلام إيجاز لأن قوله : (لَكانَ خَيْراً) يؤذن بأنه إذا عزم الأمر حصل لهم ما لا خير فيه. ولفظ (خَيْراً) ضد الشّر بوزن فعل ، وليس هو هنا بوزن أفعل.
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ (٢٢))
مقتضى تناسق النظم أن هذا مفرع على قوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) [محمد : ٢١] لأنه يفهم منه أنه إذا عزم الأمر تولوا عن القتال وانكشف نفاقهم فتكون إتماما لما في الآية السابقة من الإنباء بما سيكون من المنافقين يوم أحد. وقد قال عبد الله بن أبي : علام نقتل أنفسنا هاهنا؟ وربما قال في كلامه : وكيف نقاتل قريشا وهم من قومنا ، وكان لا يرى على أهل يثرب أن يقاتلوا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ويرى الاقتصار على أنهم آووه. والخطاب موجّه إلى الذين في قلوبهم مرض على الالتفات.
والاستفهام مستعمل في التكذيب لما سيعتذرون به لانخزالهم ولذلك جيء فيه بهل الدالة على التحقيق لأنّها في الاستفهام بمنزلة (قد) في الخبر ، فالمعنى : أفيتحقق إن توليتم أنكم تفسدون في الأرض وتقطعون أرحامكم وأنتم تزعمون أنكم توليتم إبقاء على أنفسكم وعلى ذوي قرابة أنسابكم على نحو قوله تعالى : (قالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ أَلَّا تُقاتِلُوا) [البقرة : ٢٤٦] وهذا توبيخ كقوله تعالى : (ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ) [البقرة : ٨٥]. والمعنى : أنكم تقعون فيما زعمتم التّفادي منه وذلك بتأييد الكفر وإحداث العداوة بينكم وبين قومكم من الأنصار. فالتولّي هنا هو الرجوع عن الوجهة التي خرجوا لها كما في قوله تعالى : (فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ) [البقرة : ٢٤٦] وقوله : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى) [النجم : ٣٣] وقوله : (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى) [طه : ٦٠]. وبمثله فسر ابن جريج وقتادة على تفاوت بين التفاسير. ومن المفسرين من حمل التولّي على أنه مطاوع ولّاه إذا أعطاه ولاية ، أي ولاية الحكم والإمارة على الناس وبه فسر أبو العالية والكلبي وكعب الأحبار. وهذا بعيد من اللفظ ومن النظم وفيه تفكيك لاتصال نظم الكلام وانتقال بدون مناسبة ، وتجاوز بعضهم ذلك فأخذ يدعي أنها نزلت في الحرورية ومنهم من جعلها فيما يحدث بين بني أمية وبني