أن الحسنات يذهبن السيئات ولم يجىء : أن السيئات يذهبن الحسنات ، وقال : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠].
وتمسك المعتزلة بهاته الآية فزعموا أن الكبائر تحبط الطاعات. ومن العجب أنهم ينفون عن الله الظلم ولا يسلمون ظاهر قوله : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) [الأنبياء : ٢٣] ، ومع ذلك يجعلون الله يبطل الحسنات إذا ارتكب صاحبها سيئة. ونحن نرى أن كل ذلك مسطور في صحف الحسنات والسيئات وأن الحسنة مضاعفة والسيئة بمقدارها. وهذا أصل تواتر معناه في الكتاب وصحيح الآثار ، فكيف ينبذ بالقيل والقال من أهل الأخبار.
وحمل بعض علمائنا قوله تعالى : (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ) على معنى النهي عن قطع العمل المتقرب به إلى الله تعالى. وإطلاق الإبطال على القطع وعدم الإتمام يشبه أنه مجاز ، أي لا تتركوا العمل الصالح بعد الشروع فيه ، فأخذوا منه أن النفل يجب بالشروع لأنه من الأعمال ، وهو قول أبي حنيفة في النوافل مطلقا. ونسب ابن العربي في الأحكام مثله إلى مالك. ومثله القرطبي وابن الفرس. ونقل الشيخ الجد في «حاشيته على المحلّى» عن القرافي في «شرح المحصول» ونقل حلولو في «شرح جمع الجوامع» عن القرافي في «الذخيرة» : أن مالكا قال بوجوب سبع نوافل بالشروع ، وهي : الصلاة والصيام والحج والعمرة والاعتكاف والائتمام وطواف التطوع دون غيرها نحو الوضوء والصدقة والوقف والسفر للجهاد ، وزاد حلولو إلحاق الضحية بالنوافل التي تجب بالشروع ولم أقف على مأخذ القرافي ذلك ولا على مأخذ حلولو في الأخير. ولم ير الشافعي وجوبا بالشروع في شيء من النوافل وهو الظاهر.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَهُمْ (٣٤))
هذه الآية تكملة لآية (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ) [محمد : ٣٢] إلخ لأن تلك مسوقة لعدم الاكتراث بمشاقّهم ولبيان أن الله مبطل صنائعهم وهذه مسوقة لبيان عدم انتفاعهم لمغفرة الله إذا ماتوا على ما هم عليه من الكفر فهي مستأنفة استئنافا ابتدائيا.
واقتران خبر الموصول بالفاء إيماء إلى أنه أشرف معنى الشرط فلا يراد به ذو صلة معيّن بل المراد كل من تحققت فيه ماهية الصلة وهي الكفر والموت على الكفر.