أحسن أعمالهم ويتجاوز عن سيئاتهم ، وذكر هذا للتنويه بهم بأنهم من الفريق المشرّفين كما يقال : أكرمه في أهل العلم.
وانتصب (وَعْدَ الصِّدْقِ) على الحال من التقبل والتجاوز المفهوم من معاني يتقبل ويتجاوز ، فجاء الحال من المصدر المفهوم من الفعل كما أعيد عليه الضمير في قوله تعالى : (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى) [المائدة : ٨] ، أي العدل أقرب للتقوى.
والوعد : مصدر بمعنى المفعول ، أي ذلك موعدهم الذي كانوا يوعدونه.
وإضافة (وَعْدَ) إلى (الصِّدْقِ) إضافة على معنى (من) ، أي وعد من الصدق إذ لا يتخلف. و (الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) صفة وعد الصدق ، أي ذلك هو الذي كانوا يوعدونه في الدنيا بالقرآن في الآيات الحاثة على برّ الوالدين وعلى الشكر وعلى إصلاح الذرية.
(وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُما يَسْتَغِيثانِ اللهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَيَقُولُ ما هذا إِلاَّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ (١٧))
هذا الفريق المقصود من هذه الآيات المبدوءة بقوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ) [الأحقاف : ١٥]. وهذا الفريق الذي كفر بربه وأساء إلى والديه ، وقد علم أن والديه كانا مؤمنين من قوله : (أَتَعِدانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتِ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي) الآية.
فجملة (وَالَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) الأحسن أن تكون معطوفة على جملة (وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ) [الأحقاف : ٧] إلخ انتقال إلى مقالة أخرى من أصول شركهم وهي مقالة إنكار البعث. وأما قوله : (الَّذِي قالَ لِوالِدَيْهِ) فالوجه جعله مفعولا لفعل مقدر تقديره : واذكر الذي قال لوالديه ، لأن هذا الوجه يلائم كل الوجوه. ويجوز جعله مبتدأ وجملة (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ) [الأحقاف : ١٨] خبرا عنه على أحد الوجهين الاثنين في مرجع اسم الإشارة من قوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ).
و (الَّذِينَ) هنا اسم صادق على الفريق المتصف بصلته. وهذا وصف لفئة من أبناء من المشركين أسلم آباؤهم ودعوهم إلى الإسلام فلم يستجيبوا لهم وأغلظوا لهم القول فضمّوا إلى الكفر بشنيع عقوق الوالدين وهو قبيح لمنافاته الفطرة التي فطر الله الناس عليها لأن حال الوالدين مع أبنائهما يقتضي معاملتهما بالحسنى ، ويدل لعدم اختصاص قوله في آخرها (أُولئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) إلى آخره.