والمحلّ بكسر الحاء : محلّ الحل مشتق من فعل حلّ ضد حرم ، أي المكان الذي يحلّ فيه نحر الهدي ، وهو الذي لا يجزئ غيره ، وذلك بمكة بالمروة بالنسبة للمعتمر ، ولذلك لما أحصروا أمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن ينحروا هديهم في مكانهم إذ تعذر إبلاغه إلى مكة لأن المشركين منعوهم من ذلك. ولم يثبت في السنة أن النبي صلىاللهعليهوسلم أمرهم بتوخّي جهة معينة للنحر من أرض الحديبية ، وذلك من سماحة الدين فلا طائل من وراء الخوض في اشتراط النحر في أرض الحرم للمحصر.
(وَلَوْ لا رِجالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِساءٌ مُؤْمِناتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِنْهُمْ مَعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ لِيُدْخِلَ اللهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً).
أتبع النعي على المشركين سوء فعلهم من الكفر والصد عن المسجد الحرام وتعطيل شعائر الله وعده المسلمين بفتح قريب ومغانم كثيرة ، بما يدفع غرور المشركين بقوتهم ، ويسكن تطلع المسلمين لتعجيل الفتح ، فبيّن أن الله كف أيدي المسلمين عن المشركين مع ما قرره آنفا من قوله : (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً) [الفتح : ٢٢] أنه إنما لم يأمر المسلمين بقتال عدوهم لمّا صدوهم عن البيت لأنه أراد رحمة جمع من المؤمنين والمؤمنات كانوا في خلال أهل الشرك لا يعلمونهم ، وعصم المسلمين من الوقوع في مصائب من جراء إتلاف إخوانهم ، فالجملة معطوفة على جملة (وَلَوْ قاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبارَ) أو على جملة (وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ) [الفتح : ٢٤] إلخ. وأيّا ما كان فهي كلام معترض بين جملة (هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) إلخ وبين جملة (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ) [الفتح : ٢٦]. ونظم هذه الآية بديع في أسلوبي الإطناب والإيجاز والتفنن في الانتقال ورشاقة كلماته.
و (لَوْ لا) دالة على امتناع لوجود ، أي امتنع تعذيبنا الكافرين لأجل وجود رجال مؤمنين ونساء مؤمنات بينهم. وما بعد (لَوْ لا) مبتدأ وخبره محذوف على الطريقة المستعملة في حذفه مع (لَوْ لا) إذا كان تعليق امتناع جوابها على وجود شرطها وجودا مطلقا غير مقيد بحال ، فالتقدير : ولو لا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات موجودون ، كما يدل عليه قوله بعده (لَوْ تَزَيَّلُوا) ، أي لو لم يكونوا موجودين بينهم ، أي أن وجود هؤلاء هو الذي لأجله امتنع حصول مضمون جواب (لَوْ لا).
وإجراء الوصف على رجال ونساء بالإيمان مشير إلى أن وجودهم المانع من حصول