هذا حكاية خطأ آخر من أخطاء حجج المشركين الباطلة وهو خطأ منشؤه الإعجاب بأنفسهم وغرورهم بدينهم فاستدلوا على أن لا خير في الإسلام بأن الذين ابتدروا الأخذ به ضعفاء القوم وهم يعدونهم منحطين عنهم ، فهم الذين قالوا (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) كما تقدم في الأنعام [٥٣] ، وهو نظير قول قوم نوح (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) [هود ٢٧] ، ومناسبته لما قبله أنه من آثار استكبارهم فناسب قوله : (وَاسْتَكْبَرْتُمْ) [الأحقاف : ١٠].
واللام في قوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) لام التعليل متعلقة بمحذوف ، هو حال من الذين كفروا تقديره : مخصصين أو مريدين كاللام في قوله تعالى : (وَقالُوا لِإِخْوانِهِمْ إِذا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كانُوا غُزًّى لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَما قُتِلُوا) [آل عمران : ١٥٦] ، وقوله في الآية السابقة (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف : ٧]. وليست هي لام تعدية فعل القول إلى المخاطب بالقول نحو (أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً) [الكهف : ٧٢] المسمّاة لام التبليغ.
والضمير المستتر في (كانَ) عائد إلى ما عد إليه ضمير (إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [الأحقاف : ١٠] وهو القرآن المفهوم من السياق أو (ما يُوحى إِلَيَ) [الأحقاف : ٩]. والسبق أطلق على تحصيل شيء قبل أن يحصله آخر ، شبّه بأسرع الوصول بين المتجارين ، والمراد : الأخذ بما جاء به القرآن من العقائد والأعمال. وضمير الغيبة في قوله : (سَبَقُونا) عائد إلى غير مذكور في الآية ولكنه مذكور في كلام الذين كفروا الذي حكته الآية أرادوا به المؤمنين الأولين من المستضعفين مثل بلال وعمار بن ياسر ، وعبد الله بن مسعود ، وسمية ، وزنّيرة (بزاي معجمة مكسورة ونون مكسورة مشددة مشبعة وراء مهملة) أمة رومية كانت من السابقات إلى الإسلام وممن عذبهنّ المشركون ومن أعتقهن أبو بكر الصديق.
وعن عروة بن الزبير قال : عظماء قريش : لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقتنا إليه زنّيرة ، أي من جملة أقوالهم التي جمعها القرآن في ضمير سبقونا.
(وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ (١١)).
عطف على جملة (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) الآية ، أي فقد استوفوا بمزاعمهم وجوه الطعن في القرآن فقالوا : (سِحْرٌ مُبِينٌ) [الأحقاف : ٧] وقالوا (افْتَراهُ) [الأحقاف : ٨] ،