إلى قوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) [المائدة : ٣] فذلك ما وعد به الرسول صلىاللهعليهوسلم في هذه الآية وحصل بعد سنين.
ومعنى (وَيَهْدِيَكَ صِراطاً مُسْتَقِيماً) : يزيدك هديا لم يسبق وذلك بالتوسيع في بيان الشريعة والتعريف بما لم يسبق تعريفه به منها ، فالهداية إلى الصراط المستقيم ثابتة للنبي صلىاللهعليهوسلم من وقت بعثته ولكنها تزداد بزيادة بيان الشريعة وبسعة بلاد الإسلام وكثرة المسلمين مما يدعو إلى سلوك طرائق كثيرة في إرشادهم وسياستهم وحماية أوطانهم ودفع أعدائهم ، فهذه الهداية متجمعة من الثبات على ما سبق هديه إليه ، ومن الهداية إلى ما لم يسبق إليه وكل ذلك من الهداية.
والصراط المستقيم : مستعار للدين الحق كما تقدم في سورة الفاتحة. وتنوين (صِراطاً) للتعظيم. وانتصب (صِراطاً) على أنه مفعول ثان ليهدي بتضمين معنى الإعطاء ، أو بنزع الخافض كما تقدّم في الفاتحة.
والنصر العزيز : غير نصر الفتح المذكور لأنه جعل علة الفتح فهو ما كان من فتح مكة وما عقبه من دخول قبائل العرب في الإسلام بدون قتال. وبعثهم الوفود إلى النبيصلىاللهعليهوسلم ليتلقوا أحكام الإسلام ويعلموا أقوامهم إذا رجعوا إليهم. ووصف النصر بالعزيز مجاز عقلي وإنما العزيز هو النبي صلىاللهعليهوسلم المنصور ، أو أريد بالعزيز المعز كالسميع في قول عمرو بن معديكرب :
آمن ريحانة الداعي السميع
أي المسمع ، وكالحكيم على أحد تأويلين.
والعزة : المنعة.
وإنما أظهر اسم الجلالة في قوله : (وَيَنْصُرَكَ اللهُ) ولم يكتف بالضمير اهتماما بهذا النصر وتشريعا له بإسناده إلى الاسم الظاهر لصراحة الظاهر والصراحة أدعى إلى السمع ، والكلام مع الإظهار أعلق بالذهن كما تقدم في (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ).
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٤))
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ)