وهم ما هم من المنعة وأنهم تمنعهم قريتهم مكة وحرمتها بين العرب فلا يقعدون عن نصرتهم ، فربّما استخفّوا بهذا الوعيد ولم يستكينوا لهذا التهديد ، فأعلمهم الله أن قرى كثيرة كانت أشد قوة من قريتهم أهلكهم الله فلم يجدوا نصيرا.
وبهذا يظهر الموقع البديع للتفريع في قوله : (فَلا ناصِرَ لَهُمْ) وزاد أيضا إجراء الإضافة في قوله : (قَرْيَتِكَ) ، ووصفها ب (الَّتِي أَخْرَجَتْكَ) لما تفيده إضافة القرية إلى ضمير الرسول صلىاللهعليهوسلم من تعبير أهلها بمذمة القطيعة ولما تؤذن به الصلة من تعليل إهلاكهم بسبب إخراجهم الرسول صلىاللهعليهوسلم من قريته قال تعالى : (وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ) [البقرة : ١٩١].
وإطلاق الإخراج على ما عامل به المشركون النبي صلىاللهعليهوسلم من الجفاء والأذى ومقاومة نشر الدين إطلاق من قبيل الاستعارة لأن سوء معاملتهم إياه كان سببا في خروجه من مكة وهي قريته ، فشبه سبب الخروج بالإخراج ثم أطلق عليه فعل (أَخْرَجَتْكَ) ، وليس ذلك بإخراج وإنما هو خروج فإن المشركين لم يلجئوا النبي صلىاللهعليهوسلم بالإخراج بل كانوا على العكس يرصدون أن يمنعوه من الخروج خشية اعتصامه بقبائل تنصره فلذلك أخفى على الناس أمر هجرته إلا عن أبي بكر رضياللهعنه ، فقوله : (أَخْرَجَتْكَ) من باب قولك : أقدمني بلدك حقّ لي على فلان ، وهو استعارة على التحقيق ، وليس مجازا عقليا إذ ليس ثمة إخراج حتى يدعى أن سببه بمنزلة فاعل الإخراج ، ولا هو من الكناية وإن كان قد مثل به الشيخ في دلائل الإعجاز للمجاز العقلي ، والمثال يكفي فيه الفرض والاحتمال. وفرع على الإخبار بإهلاك الله إياهم الإخبار بانتفاء جنس الناصر لهم ، أي المنقذ لهم من الإهلاك.
والمقصود : التذكير بأن أمثال هؤلاء المشركين لم يجدوا دافعا يدفع عنهم الإهلاك ، وذلك تعريض بتأييس المشركين من الفاء ناصر ينصرهم في حربهم للمسلمين قطعا لما قد يخالج نفوس المشركين أنهم لا يغلبون لتظاهر قبائل العرب معهم ، ولذلك حزبوا الأحزاب في وقعة الخندق.
وضمير (لَهُمْ) عائد إلى (مِنْ قَرْيَةٍ) لأن المراد بالقرى أهلها. والمعنى : أهلكناهم إهلاكا لا بقاء معه لشيء منهم لأن بقاء شيء منهم نصر لذلك الباقي بنجاته من الإهلاك.
واسم الفاعل في قوله : (فَلا ناصِرَ) مراد به الجنس لوقوعه بعد (لا) النافية للجنس فلذلك لا يقصد تضمنه لزمن ما لأنه غير مراد به معنى الفعل بل مجرد الاتصاف بالمصدر