هذا مقابل فريق الذين كفروا وهو فريق الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، وإيراد الموصول وصلته للإيماء إلى وجه بناء الخبر وعلته ، أي لأجل إيمانهم إلخ كفّر عنهم سيئاتهم.
وقد جاء في مقابلة الأوصاف الثلاثة التي أثبتت للذين كفروا بثلاثة أوصاف ضدها للمسلمين وهي : الإيمان مقابل الكفر ، والإيمان بما نزل على محمد صلىاللهعليهوسلم مقابل الصد عن سبيل الله ، وعمل الصالحات مقابل بعض ما تضمنه (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) [محمد : ١] ، و (كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ) مقابل بعض آخر مما تضمنه (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ) ، (وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) مقابل بقية ما تضمنه (أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ). وزيد في جانب المؤمنين التنويه بشأن القرآن بالجملة المعترضة قوله : (وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ) وهو نظير لوصفه بسبيل الله في قوله : (وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [محمد : ١].
وعبر عن الجلالة هنا بوصف الربّ زيادة في التنويه بشأن المسلمين على نحو قوله : (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١] فلذلك لم يقل : وصدّوا عن سبيل ربهم.
وتكفير السيئات غفرانها لهم فإنهم لما عملوا الصالحات كفّر الله عنهم سيئاتهم التي اقترفوها قبل الإيمان ، وكفر لهم الصغائر ، وكفر عنهم بعض الكبائر بمقدار يعلمه إذا كانت قليلة في جانب أعمالهم الصالحات كما قال تعالى : (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) [التوبة : ١٠٢].
والبال : يطلق على القلب ، أي العقل وما يخطر للمرء من التفكير وهو أكثر إطلاقه ولعله حقيقة فيه ، قال امرؤ القيس :
فعادي عداء بين ثور ونعجة |
|
وكان عداء الوحش منّي على بال |
وقال :
عليه القتام سيئ الظن والبال
ومنه قولهم : ما بالك؟ أي ما ذا ظننت حين فعلت كذا ، وقولهم : لا يبالي ، كأنه مشتق منه ، أي لا يخطر بباله ، ومنه بيت العقيلي في الحماسة :
ونبكي حين نقتلكم عليكم |
|
ونقتلكم كأنّا لا نبالي |
أي لا نفكر.