عن الألف في (مهما) ، فإن أصلها : (ما ما) مركبة من (ما) الظرفية و (ما) الزائدة لإفادة الشرط مثل (أينما). قال في «الكشاف» : ولقد أغثّ أبو الطيب في قوله :
لعمرك ما ما بان منك لضارب (١)
وأقول ولم يتعقب ابن جنّي ولا غيره ممّن شرح الديوان من قبل على المتنبي وقد وقع مثله في ضرورات شعر المتقدمين كقول خطام المجاشعي :
وصاليات ككما يؤثفين
ولا يغتفر مثله للمولدين.
فأما إذا كانت (ما) نافية وأراد المتكلم تأكيدها تأكيدا لفظيا ، فالإتيان بحرف (إن) بعد (ما) أحرى كما في قول النابغة :
رماد ككحل العين ما إن أبينه |
|
ونؤي كجذم الحوض أثلم خاشع |
وفائدة قوله : (وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً) أنهم لم ينقصهم شيء من شأنه أي يخلّ بإدراكهم الحق لو لا العناد ، وهذا تعريض بمشركي قريش ، أي أنكم حرمتم أنفسكم الانتفاع بسمعكم وأبصاركم وعقولكم كما حرموه ، والحالة متحدة والسبب متّحد فيوشك أن يكون الجزاء كذلك. وإفراد السمع دون الأبصار والأفئدة للوجه الذي تقدم في قوله : (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ) في سورة الأنعام [٤٦] وقوله : (أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ) في سورة يونس [٣١].
و (مِنْ) في قوله : (مِنْ شَيْءٍ) زائدة للتنصيص على انتفاء الجنس فلذلك يكون (شَيْءٍ) المجرور ب (مِنْ) الزائدة نائبا عن المفعول المطلق لأن المراد بشيء من الإغناء ، وحق (شَيْءٍ) النصب وإنما جرّ بدخول حرف الجر الزائد.
و (إِذْ) ظرف ، أي مدة جحودهم وهو مستعمل في التعليل لاستواء مؤدى الظرف
__________________
(١) تمامه : باقتل مما بان منك لعائب.
ووقع المصراع الأول في «الكشاف» لعمرك ، وراوية الديوان يرى : أن ما وجعل ابن جنّي والمعري في شرحيهما على الديون اسم أنّ ضمير شأن محذوفا ليستقيم اقتران الباء بقوله باقتل الذي هو بحسب الظاهر خبر عن (أنّ) ولعل التفادي من تكلف جعل اسم (أن) ضمير شأن هو الذي دعا الزمخشري لتغيير الكلمة الأولى من المصراع الأول.