واعلم أن هذا الكلام بيان للإمكان رعيا لما تضمنه كلامهم من الإحالة لأن ثبوت الإمكان يقلع اعتقاد الاستحالة من نفوسهم وهو كاف لإبطال تكذيبهم ولاستدعائهم للنظر في الدعوة ، ثم يبقى النظر في كيفية الإعادة ، وهي أمر لم نكلف بالبحث عنه وقد اختلف فيها أئمة أهل السنة فقال جمهور أهل السنة والمعتزلة تعاد الأجسام بعد عدمها. ومعنى إعادتها. إعادة أمثالها بأن يخلق الله أجسادا مثل الأولى تودع فيها الأرواح التي كانت في الدنيا حالّة في الأجساد المعدومة الآن فيصير ذلك الجسم لصاحب الروح في الدنيا وبذلك يحق أن يقال : إن هذا هو فلان الذي عرفناه في الدنيا إذ الإنسان كان إنسانا بالعقل والنطق ، وهما مظهر الروح. وأما الجسد فإنه يتغير بتغيرات كثيرة ابتداء من وقت كونه جنينا ، ثم من وقت الطفولة ثم ما بعدها من الأطوار فتخلف أجزاؤه المتجددة أجزاءه المقتضية ، وبرهان ذلك مبيّن في علم الطّبيعيات ، لكن ذلك التغير لم يمنع من اعتبار الذات ذاتا واحدة لأن هوية الذات حاصلة من الحقيقة النوعية والمشخصات المشاهدة التي تتجدد بدون شعور من يشاهدها. فلذا كانت حقيقة الشخص هي الروح وهي التي تكتسى عند البعث جسد صاحبها في الدنيا ، فإن الناس الذين يموتون قبل قيام الساعة بزمن قليل لا تبلى في مثله أجسامهم ترجّع أرواحهم إلى أجسادهم الباقية دون تجديد خلقها ، ولذلك فتسمية هذا الإيجاز معادا أو رجعا أو بعثا إنما هي تسمية باعتبار حال الأرواح ، وبهذا الاعتبار أيضا تشهد على الكفار ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون لأن الشاهد في الحقيقية هو ما به إدراك الأعمال من الروح المبثوثة في الأعضاء.
وأدلة الكتاب أكثرها ظاهر في تأييد هذا الرأي كقوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤] ، وفي معناه قوله تعالى : (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) [النساء : ٥٦].
وقال شذوذ : تعاد الأجسام بجمع الأجزاء المتفرقة يجمعها الله العليم بها ويركبها كما كانت يوم الوفاة. وهذا بعيد لأن أجزاء الجسم الإنساني إذا تفرقت دخلت في أجزاء من أجسام أخرى من مختلف الموجودات ومنها أجسام أناس آخرين. وورد في الآثار «أن كل ابن آدم يفنى إلّا عجب الذنب منه خلق ومنه يركب» رواه مسلم. وعلى هذا تكون نسبة الأجساد المعادة كنسبة النخلة من النواة. وهذا واسطة بين القول بأن الإعادة عن عدم والقول بأنها عن تفرق. ولا قائل من العقلاء بأن المعدوم يعاد بعينه وإنما المراد ما ذكرنا وما عداه مجازفة في التعبير.