عبد الله بن مغفل فالتأكيد مصروف للسامعين على طريقة التعريض ، وأما النبيصلىاللهعليهوسلم فقد كان واثقا بذلك ، وسيأتي تبيين هذا التأكيد قريبا.
والفتح : إزالة غلق الباب أو الخزانة قال تعالى : (لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ) [الأعراف : ٤٠] ويطلق على النصر وعلى دخول الغازي بلاد عدوّه لأن أرض كل قوم وبلادهم مواقع عنها فاقتحام الغازي إياها بعد الحرب يشبه إزالة الغلق عن البيت أو الخزانة ، ولذلك كثر إطلاق الفتح على النصر المقترن بدخول أرض المغلوب أو بلده ولم يطلق على انتصار كانت نهايته غنيمة وأسر دون اقتحام أرض فيقال : فتح خيبر وفتح مكة ولا يقال : فتح بدر. وفتح أحد. فمن أطلق الفتح على مطلق النصر فقد تسامح ، وكيف وقد عطف النصر على الفتح في قوله : (نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) في سورة الصف [١٣]. ولعلّ الذي حداهم على عدّ النصر من معاني مادة الفتح أن فتح البلاد هو أعظم النصر لأن النصر يتحقق بالغلبة وبالغنيمة فإذا كان مع اقتحام أرض العدو فذلك نصر عظيم لأنه لا يتم إلا مع انهزام العدو أشنع هزيمة وعجزه عن الدفاع عن أرضه. وأطلق الفتح على الحكم قال تعالى : (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) الآية سورة الم السجدة [٢٨].
ولمراعاة هذا المعنى قال جمع من المفسّرين : المراد بالفتح هنا فتح مكة وأن محمله على الوعد بالفتح. والمعنى : سنفتح. وإنما جيء في الإخبار بلفظ الماضي لتحققه وتيقنه ، شبه الزمن المستقبل بالزمن الماضي فاستعملت له الصيغة الموضوعة للمضي. أو نقول استعمل (فَتَحْنا) بمعنى : قدّرنا لك الفتح ، ويكون هذا الاستعمال من مصطلحات القرآن لأنه كلام من له التصرف في الأشياء لا يحجزه عن التصرف فيها مانع. وقد جرى على عادة إخبار الله تعالى لأنه لا خلاف في إخباره ، وذلك أيضا كناية عن علو شأن المخبر مثل (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١].
وما يندرج في هذا التفسير أن يكون المراد بالفتح صلح الحديبية تشبيها له بفتح مكة لأنه توطئة له فعن جابر بن عبد الله : ما كنّا نعدّ فتح مكة إلا يوم الحديبية ، يريد أنهم أيقنوا بوقوع فتح مكة بهذا الوعد ، وعن البراء بن عازب «تعدون أنتم الفتح فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحا ، ونحن نعد الفتح بيعة الرضوان يوم الحديبية» ، يريد أنكم تحملون الفتح في قوله : (إِنَّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً) على فتح مكة ولكنه فتح بيعة الرضوان وإن كان فتح مكة هو الغالب عليه اسم الفتح. ويؤيد هذا المحمل حديث عبد الله بن مغفّل