والظاهر أن جملة (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) إدماج ، وأن المقصود من جواب الشرط هو جملة (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ). وعطف (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) لمناسبة قوله : (يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ) ، أي أن الله يتفضل عليكم بالخيرات ولا يحتاج إلى أموالكم ، وكانت هذه المناسبات أحسن روابط لنظم المقصود من هذه المواعظ لأن البخل بالمال من بواعث الدعاء إلى السلم كما علمت آنفا.
ومعنى الآية : وإن تؤمنوا وتتقوا باتباع ما نهيتهم عنه يرض الله منكم بذلك ويكتف به ولا يسألكم زيادة عليه من أموالكم. فيعلم أن ما يعنيه النبي صلىاللهعليهوسلم عليهم من الإنفاق في سبيل الله إنما هو بقدر طاقتهم. وهذه الآية في الإنفاق نظيرها قوله تعالى لجماعة من المسلمين في شأن الخروج إلى الجهاد (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ما لَكُمْ إِذا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) في سورة براءة [٣٨].
فقوله : (وَلا يَسْئَلْكُمْ أَمْوالَكُمْ) يفيد بعمومه وسياقه معنى لا يسألكم جميع أموالكم ، أي إنما يسألكم ما لا يجحف بكم ، فإضافة أموال وهو جمع إلى ضمير المخاطبين تفيد العموم ، فالمنفي سؤال إنفاق جميع الأموال ، فالكلام من نفي العموم لا من عموم النفي بقرينة السياق ، وما يأتي بعده من قوله : (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) الآية.
ويجوز أن يفيد أيضا معنى : أنه لا يطالبكم بإعطاء مال لذاته فإنه غني عنكم وإنما يأمركم بإنفاق المال لصالحكم كما قال : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) [محمد : ٣٨]. وهذا توطئة لقوله بعده (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ) إلى قوله : (فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد : ٣٨] أي ما يكون طلب بذل المال إلا لمصلحة الأمة ، وآية مصلحة أعظم من دمغها العدو عن نفسها لئلا يفسد فيها ويستعبدها.
وأما تفسير سؤال الأموال المنفي بطلب زكاة الأموال فصرف للآية عن مهيعها فإن الزكاة مفروضة قبل نزول هذه السورة لأن الزكاة فرضت سنة اثنتين من الهجرة على الأصح.
وجملة (إِنْ يَسْئَلْكُمُوها) إلخ تعليل لنفي سؤاله إياهم أموالهم ، أي لأنه إن سألكم إعطاء جميع أموالكم وقد علم أن فيكم من يسمح بالمال لا تبخلوا بالبذل وتجعلوا تكليفكم بذلك سببا لإظهار ضغنكم على الذين لا يعطون فيكثر الارتداد والنفاق وذلك