بكفر المشركين جلائل نعمه.
ومن أبدع الاستدلال أن اختير للاستدلال على وحدانية الله هذا الصنع العجيب المتكرر كل يوم مرتين ، والذي يستوي في إدراكه كل مميز ، والذي هو أجلى مظاهر التغير في هذا العالم فهو دليل الحدوث وهو مما يدخل في التكيف به جميع الموجودات في هذا العالم حتى الأصنام فهي تظلم وتسود أجسامها بظلام الليل وتشرق وتضيء بضياء النهار ، وكان الاستدلال بتعاقب الضياء والظلمة على الناس أقوى وأوضح من الاستدلال بتكوين أحدهما لو كان دائما ، لأن قدرة خالق الضدين وجاعل أحدهما ينسخ الآخر كل يوم أظهر منها لو لم يخلق إلا أقواهما وأنفعهما ، ولأن النعمة بتعاقبهما دوما أشد من الأنعام بأفضلهما وأنفعهما لأنه لو كان دائما لكان مسئوما ولحصلت منه طائفة من المنافع ، وفقدت منافع ضده. فالتنقل في النعم مرغوب فيه ولو كان تنقلا إلى ما هو دون. وسيق إليهم هذا الاستدلال بأسلوب تلقين النبي صلىاللهعليهوسلم أن يقوله لهم اهتماما بهذا التذكير لهذا الاستدلال ولاشتماله على ضدين متعاقبين ، حتى لو كانت عقولهم قاصرة عن إدراك دلالة أحد الضدين لكان في الضد الآخر تنبيه لهم ، ولو قصروا عن حكمة كل واحد منهما كان في تعاقبهما ما يكفي للاستدلال.
وجيء في الشرطين بحرف (إِنْ) لأن الشرط مفروض فرضا مخالفا للواقع. وعلم أنه قصد الاستدلال بعبرة خلق النور ، فلذلك فرض استمرار الليل ، والمقصود ما بعده وهو قوله (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ).
والسرمد : الدائم الذي لا ينقطع. قال في «الكشاف» : من السرد وهو المتابعة ومنه قولهم في الأشهر الحرم : ثلاثة سرد وواحد فرد. والميم مزيدة ووزنه فعمل ، ونظيره دلامص من الدلاص اه. دلامص (بضم الدال وكسر الميم) من صفات الدرع وأصلها دلاص (بدال مكسورة) أي براقة. ونسب إلى صاحب «القاموس» وبعض النحاة أن ميم سرمد أصلية وأن وزنه فعلل. والمراد بجعل الليل سرمدا أن لا يكون الله خلق الشمس ويكون خلق الأرض فكانت الأرض مظلمة.
والرؤية قلبية. والاستفهام في (أَرَأَيْتُمْ) تقريري ، والاستفهام في (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِياءٍ) إنكاري وهم معترفون بهذا الانتفاء وأن خالق الليل والنهار هو الله تعالى لا غيره.
والمراد بالغاية في قوله (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) إحاطة أزمنة الدنيا وليس المراد انتهاء