وجيء بصيغة المضارع للدلالة على أنه سيقع في المستقبل أو للدلالة على تجدد إيمان هذا الفريق به ، أي إيمان من آمن منهم مستمرّ يزداد عدد المؤمنين يوما فيوما.
والإشارة ب (هؤُلاءِ) إلى أهل مكة بتنزيلهم منزلة الحاضرين عند نزول الآية لأنهم حاضرون في الذهن بكثرة ممارسة أحوالهم وجدالهم. وهكذا اصطلاح القرآن حيث يذكر (هؤُلاءِ) بدون سبق ما يصلح للإشارة إليه ، وهذا قد ألهمني الله إليه ، وتقدم عند قوله تعالى : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ) في سورة الأنعام [٨٩]. والمعنى : ومن مشركي أهل مكة من يؤمن به ، أي بأن القرآن منزل من الله ، وهؤلاء هم الذين أسلموا والذين يسلمون من بعد ، ومنهم من يؤمن به في باطنه ولا يظهر ذلك عنادا وكبرا مثل الوليد بن المغيرة.
وقد أشار قوله تعالى : (وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلَّا الْكافِرُونَ) إلى أن من هؤلاء الذين يؤمنون بالقرآن من أهل الكتاب وأهل مكة من يكتم إيمانه جحودا منهم لأجل تصلبهم في الكفر. فالتعريف في (الْكافِرُونَ) للدلالة على معنى الكمال في الوصف المعرّف ، أي إلا المتوغلون في الكفر الراسخون فيه ، ليظهر وجه الاختلاف بين (ما يَجْحَدُ) وبين (الْكافِرُونَ) إذ لو لا الدلالة على معنى الكمال لصار معنى الكلام : وما يجحد إلا الجاحدون.
وعبر عن (الْكِتابَ) ب (الآيات) لأنه آيات دالة على أنه من عند الله بسبب إعجازه وتحدّيه وعجز المعاندين عن الإتيان بسورة مثله. وهذا يتوجه ابتداء إلى المشركين لأن جحودهم واقع ، وفيه تهيئة لتوجهه إلى من عسى أن يجحد به من أهل الكتاب من دون أن يواجههم بأنهم كافرون لأنه لم يعرف منهم ذلك الآن فإن فعلوه فقد أوجبوا ذلك على أنفسهم.
(وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتابَ الْمُبْطِلُونَ (٤٨))
هذا استدلال بصفة الأمية المعروف بها الرسول صلىاللهعليهوسلم ودلالتها على أنه موحى إليه من الله أعظم دلالة وقد ورد الاستدلال بها في القرآن في مواضع كقوله : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) [الشورى : ٥٢] وقوله : (فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ). [يونس : ١٦].
ومعنى : (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ) أنك لم تكن تقرأ كتابا حتى يقول أحد :