فَقِيرٌ). والفقير : المحتاج فقوله (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) شكر على نعم سلفت.
وقوله (إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ) ثناء على الله بأنه معطي الخير.
والخير : ما فيه نفع وملاءمة لمن يتعلق هو به فمنه خير الدنيا ومنه خير الآخرة الذي قد يرى في صورة مشقة فإن العبرة بالعواقب ، قال تعالى (وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ٨٥].
وقد أراد النوعين كما يرمز إلى ذلك التعبير عن إيتائه الخير بفعل (أَنْزَلْتَ) المشعر برفعة المعطى. فأول ذلك إيتاء الحكمة والعلم.
ومن الخير إنجاؤه من القتل ، وتربيته الكاملة في بذخة الملك وعزته ، وحفظه من أن تتسرب إليه عقائد العائلة التي ربي فيها فكان منتفعا بمنافعها مجنبا رذائلها وأضرارها. ومن الخير أن جعل نصر قومه على يده ، وأن أنجاه من القتل الثاني ظلما ، وأن هداه إلى منجى من الأرض ، ويسر له التعرف ببيت نبوءة ، وأن آواه إلى ظل.
و (ما) من قوله (لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَ) موصولة كما يقتضيه فعل المضي في قوله (أَنْزَلْتَ) لأن الشيء الذي أنزل فيما مضى صار معروفا غير نكرة ، فقوله (ما أنزلت إلي) بمنزلة المعرف بلام الجنس لتلائم قوله (فَقِيرٌ) أي فقير لذلك النوع من الخير ، أي لأمثاله.
وأحسن خير للغريب وجود مأوى له يطعم فيه ويبيت وزوجة يأنس إليها ويسكن.
فكان استجابة الله له بأن ألهم شعيبا أن يرسل وراءه لينزله عنده ويزوجه بنته ، كما أشعرت بذلك فاء التعقيب في قوله (فَجاءَتْهُ إِحْداهُما) [القصص : ٢٥].
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٢٥))
(فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا).
عرفت أن الفاء تؤذن بأن الله استجاب له فقيّض شعيبا أن يرسل وراء موسى ليضيفه ويزوجه بنته ، فذلك يضمن له أنسا في دار غربة ومأوى وعشيرا صالحا. وتؤذن الفاء أيضا بأن شعيبا لم يتريث في الإرسال وراءه فأرسل إحدى البنتين اللتين سقى لهما وهي