كان المراد من (أَجَلَ اللهِ) الموت لما كان وجه للإعلام بإتيانه بله تأكيده ، وكذا لو كان المراد منه البعث لكان قوله (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) كافيا ، فهذا وجه ما أشارت إليه الآيات بالمنطوق والاقتضاء ، والعدول بها عن هذا المهيع وإلى ما في «الكشاف» و «مفاتيح الغيب» أخذا من كلام أبي عبيدة تحويل لها عن مجراها وصرف كلمة الرجاء عن معناها وتفكيك لنظم الكلام عن أن يكون آخذا بعضه بحجز بعض.
وإظهار اسم الجلالة في جملة (فَإِنَّ أَجَلَ اللهِ لَآتٍ) مع كون مقتضى الظاهر الإضمار لتقدم اسم الجلالة في جملة الشرط (مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللهِ) لئلا يلتبس معاد الضمير بأن يعاد إلى (مَنْ) إذ المقصود الإعلام بأجل مخصوص وهو وقت النصر الموعود كما في قوله تعالى (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ قُلْ لَكُمْ مِيعادُ يَوْمٍ لا تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ ساعَةً وَلا تَسْتَقْدِمُونَ) [سبأ : ٢٩ ، ٣٠].
وعبّر بفعل الرجاء عن ترقب البعث لأن الكلام مسوق للمؤمنين وهم ممن يرجو لقاء الله لأنهم يترقبون البعث لما يأملون من الخيرات فيه. قال بلال رضياللهعنه حين احتضاره متمثلا بقول بعض الأشعريين الذين وفدوا على النبي صلىاللهعليهوسلم :
غدا ألقى الأحبة |
|
محمدا وصحبه |
(وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦))
أي ومن جاهد ممن يرجون لقاء الله ، فليست الواو للتقسيم ، وليس (مَنْ جاهَدَ) بقسيم لمن كانوا يرجون لقاء الله بل الجهاد من عوارض من كانوا يرجون لقاء الله.
والجهاد : مبالغة في الجهد الذي هو مصدر جهد كمنع ، إذا جدّ في عمله وتكلّف فيه تعبا ، ولذلك شاع إطلاقه على القتال في نصر الإسلام. وهو هنا يجوز أن يكون الصبر على المشاق والأذى اللاحقة بالمسلمين لأجل دخولهم في الإسلام ونبذ دين الشرك حيث تصدى المشركون لأذاهم. فإطلاق الجهاد هنا هو مثل إطلاقه في قوله تعالى بعد هذا (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي) [العنكبوت : ٨] ، ومثل إطلاقه في قول النبي صلىاللهعليهوسلم وقد قفل من إحدى غزواته «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».
وهذا المحل هو المتبادر في هذه السورة بناء على أنها كلها مكية لأنه لم يكن جهاد القتال في مكة.