الإشراك لأنهم لما بادروا إلى شئون الإشراك فقد أخذوا يكفرون النعمة ، فاللام استعارة تبعية ، شبه المسبّب بالعلة الباعثة فاستعير له حرف التعليل عوضا عن فاء التفريع.
وأما اللام في قوله (وَلِيَتَمَتَّعُوا) بكسر اللام على أنها لام التعليل في قراءة ورش عن نافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم وأبي جعفر ويعقوب. وقرأه قالون عن نافع وابن كثير ، وحمزة والكسائي وخلف بسكونها فهي لام الأمر ، وهي بعد حرف العطف تسكن وتكسر ، وعليه فالأمر مستعمل في التهديد نظير قوله (اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ) [فصلت : ٤٠] وهو عطف جملة التهديد على جملة (فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ) إلخ ... نظير قوله في سورة الروم [٣٤] (لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ).
والتمتع : الانتفاع القصير زمنه.
وجملة (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) تفريع على التهديد بالوعيد.
(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ (٦٧))
هذا تذكير خاص لأهل مكة وإنما خصّوا من بين المشركين من العرب لأن أهل مكة قدوة لجميع القبائل ؛ ألا ترى أن أكثر قبائل العرب كانوا ينتظرون ما ذا يكون من أهل مكة فلما أسلم أهل مكة يوم الفتح أقبلت وفود القبائل معلنة إسلامهم.
والجملة معطوفة على جملة (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ) [العنكبوت : ٦٥] باعتبار ما اشتملت عليه تلك الجملة من تقريعهم على كفران نعم الله تعالى ، ولذلك عقبت هذه الجملة بقوله (وَبِنِعْمَةِ اللهِ يَكْفُرُونَ).
والاستفهام إنكاري ، وجعلت نعمة أمن بلدهم كالشيء المشاهد فأنكر عليهم عدم رؤيته ، فقوله (أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً) مفعول (يَرَوْا).
ومعنى هذه الآية يعلم مما تقدم عند الكلام على قوله تعالى : (وَقالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً) في سورة القصص [٥٧] ، وقد كان أهل مكة في بحبوحة من الأمن وكان غيرهم من القبائل حول مكة وما بعد منها يغزو بعضهم بعضا ويتغاورون ويتناهبون ، وأهل مكة آمنون لا يعدو عليهم أحد مع قلتهم ، فذكرهم الله هذه النعمة عليهم.