على وجه التعظيم كما في قوله (قالَ رَبِّ ارْجِعُونِ) [المؤمنون : ٩٩]. ويجوز أن يراد به خطاب فرعون داخلا فيه أهل دولته هامان والكهنة الذين ألقوا في نفس فرعون أن فتى من إسرائيل يفسد عليه مملكته. وهذا أحسن لأن فيه تمهيدا لإجابة سؤلها حين أسندت معظم القتل لأهل الدولة وجعلت لفرعون منه حظ الواحد من الجماعة فكأنها تعرّض بأن ذلك ينبغي أن لا يكون عن رأيه فتهوّن عليه عدوله في هذا الطفل عما تقرر من قتل الأطفال. وقيل (لا تَقْتُلُوهُ) التفات عن خطاب فرعون إلى خطاب الموكّلين بقتل أطفال إسرائيل كقوله (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) [يوسف : ٢٩].
فموقع جملة (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) موقع التمهيد والمقدمة للعرض. وموقع جملة (لا تَقْتُلُوهُ) موقع التفريع عن المقدمة ولذلك فصلت عنها.
وأما جملة (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا) فهي في موقع العلة لمضمون جملة (لا تَقْتُلُوهُ) فاتصالها بها كاتصال جملة (قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ) بها ، ولكن نظم الكلام قضى بهذا الترتيب البليغ بأن جعل الوازع الطبيعي عن القتل وهو وازع المحبة هو المقدّمة لأنه أشدّ تعلقا بالنفس فهو يشبه المعلوم البديهي. وجعل الوازع العقلي بعد النهي علّة لاحتياجه إلى الفكر ، فتكون مهلة التفكير بعد سماع النهي الممهد بالوازع الطبيعي فلا يخشى جماح السامع من النهي ورفضه إياه.
ويتضمن قولها (عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً) إزالة ما خامر نفس فرعون من خشية فساد ملكه على يد فتى إسرائيلي بأن هذا الطفل لا يكون هو المخوف منه لأنه لما انضم في أهلهم وسيكون ربيّهم فإنه يرجى منه نفعهم وأن يكون لهم كالولد. فأقنعت فرعون بقياس على الأحوال المجربة في علاقة التربية والمعاشرة والتبني والإحسان ، وإن الخير لا يأتي بالشر. ولذلك وقع بعده الاعتراض بقوله تعالى (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي وفرعون وقومه لا يعلمون خفي إرادة الله من الانتقام من أمة القبط بسبب موسى. ولعل الله حقق لامرأة فرعون رجاءها فكان موسى قرة عين لها ولزوجها ، فلما هلكا وجاء فرعون آخر بعدهما كان ما قدّره الله من نصر بني إسرائيل.
واختير (يَشْعُرُونَ) هنا لأنه من العلم الخفي ، أي لا يعلمون هذا الأمر الخفي.
(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (١٠))