وتقييد (تَخُطُّهُ) بقيد (بِيَمِينِكَ) للتأكيد لأن الخط لا يكون إلّا باليمين فهو كقوله : (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) [الأنعام : ٣٨].
ووصف المكذبين بالمبطلين منظور فيه لحالهم في الواقع لأنهم كذبوا مع انتفاء شبهة الكذب فكان تكذيبهم الآن باطلا ، فهم مبطلون متوغلون في الباطل ، فالقول في وصفهم بالمبطلين كالقول في وصفهم بالكافرين.
(بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظَّالِمُونَ (٤٩))
(بَلْ) إبطال لما اقتضاه الفرض من قوله : (إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) [العنكبوت : ٤٨] ، أي بل القرآن لا ريب يتطرقه في أنه من عند الله ، فهو كله آيات دالة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم وأنه من عند الله لما اشتمل عليه من الإعجاز في لفظه ومعناه ولما أيّد ذلك الإعجاز من كون الآتي به أمّيّا لم يكن يتلو من قبله كتابا ولا يخطّ ، أي بل القرآن آيات ليست مما كان يتلى قبل نزوله بل هو آيات في صدر النبي صلىاللهعليهوسلم.
فالمراد من : (صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) صدر للنبي صلىاللهعليهوسلم عبّر عنه بالجمع تعظيما له.
و (الْعِلْمَ) الذي أوتيه النبي صلىاللهعليهوسلم هو النبوءة كقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) [النمل : ١٥]. ومعنى الآية أن كونه في صدر النبي صلىاللهعليهوسلم هو شأن كل ما ينزل من القرآن حين نزوله ، فإذا أنزل فإنه يجوز أن يخطّه الكاتبون ، وقد كان النبي صلىاللهعليهوسلم اتخذ كتّابا للوحي فكانوا ربما كتبوا الآية في حين نزولها كما دل عليه حديث زيد بن ثابت في قوله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ) [النساء : ٩٥] وكذلك يكون بعد نزوله متلوّا ، فالمنفي هو أن يكون متلوا قبل نزوله. هذا الذي يقتضيه سياق الإضراب عن أن يكون النبي صلىاللهعليهوسلم يتلو كتابا قبل هذا القرآن بحيث يظن أن ما جاء به من القرآن مما كان يتلوه من قبل فلما انتفى ذلك ناسب أن يكشف عن حال تلقي القرآن ، فذلك هو موقع قوله : (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) كما قال : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ) [الشعراء : ١٩٣ ، ١٩٤] وقال : (كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) [الفرقان : ٣٢].
وأما الإخبار بأنه آيات بيّنات فذلك تمهيد للغرض وإكمال لمقتضاه ، ولهذا فالوجه أن يكون الجار والمجرور في قوله : (فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) خبرا ثانيا عن