عطف على جملة : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ) [العنكبوت : ٥٢].
وجيء بالموصول للإيماء إلى وجه بناء الخبر ، أي نبوّئنهم غرفا لأجل إيمانهم وعملهم الصالح.
والتبوئة : الإنزال والإسكان ، وقد تقدم عند قوله تعالى : (وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ) في سورة يونس [٩٣]. وقرأ الجمهور : (لَنُبَوِّئَنَّهُمْ) بموحدة بعد نون العظمة وهمزة بعد الواو. وقرأ حمزة والكسائي وخلف : لنثوينهم بمثلثة بعد النون وتحتية بعد الواو من أثواه بهمزة التعدية إذا جعله ثاويا ، أي مقيما في مكان.
والغرف : جمع غرفة ، وهو البيت المعتلى على غيره. وتقدم عند قوله تعالى : (أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ) في آخر سورة الفرقان [٧٥].
وجملة : (نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ) إلخ ... إنشاء ثناء وتعجيب على الأجر الذي أعطوه ، فلذلك قطعت عن العطف. وقوله : (الَّذِينَ صَبَرُوا) خبر مبتدأ محذوف اتباعا للاستعمال ، والتقدير : هم الذين صبروا. والمراد : صبرهم على إقامة الدين وتحمل أذى المشركين ، وقد علموا أنهم لاقوه فتوكلوا على ربّهم ولم يعبئوا بقطيعة قومهم ولا بحرمانهم من أموالهم ثم فارقوا أوطانهم فرارا بدينهم من الفتن.
ومن اللطائف مقابلة غشيان العذاب للكفار من فوقهم ومن تحت أرجلهم بغشيان النعيم للمؤمنين من فوقهم بالغرف ومن تحتهم بالأنهار.
وتقديم المجرور على متعلّقه من قوله : (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) للاهتمام. وتقدم معنى التوكل عند قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) في سورة آل عمران [١٥٩] [٦٠]
(وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللهُ يَرْزُقُها وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٠))
عطف على جملة : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [العنكبوت : ٥٧] فإن الله لما هوّن بها أمر الموت في مرضاة الله وكانوا ممن لا يعبأ بالموت علم أنهم يقولون في أنفسهم : إنّا لا نخاف الموت ولكنا نخاف الفقر والضيعة. واستخفاف العرب بالموت سجية فيهم كما أن خشية المعرّة من سجاياهم كما بيناه عند قوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١] فأعقب ذلك بأن ذكّرهم بأن رزقهم على الله وأنه لا يضيعهم. وضرب لهم