يترددوا في جوابه وكانت كلمتهم واحدة في تكذيبه وإتلافه وهذا من تصلبهم في كفرهم.
ثم ترددوا في طريق إهلاكه بين القتل بالسيف والإتلاف بالإحراق ثم استقر أمرهم على إحراقه لما دل عليه قوله تعالى (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) و (جَوابَ قَوْمِهِ) خبر (كانَ) واسمها (أَنْ قالُوا). وغالب الاستعمال أن يؤخر اسمها إذا كان (أَنْ) المصدرية وصلتها كما تقدم في قوله تعالى (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) في آخر سورة النور [٥١] ، ولذلك لم يقرأ الاسم الموالي لفعل الكون في أمثالها في غير القراءات الشاذة إلا منصوبا.
وقد أجمل إنجاؤه من النار هنا وهو مفصل في سورة الأنبياء.
والإشارة ب (ذلِكَ) إلى الإنجاء المأخوذ من (فَأَنْجاهُ اللهُ مِنَ النَّارِ) وجعل ذلك الإنجاء آيات ولم يجعل آية واحدة لأنه آية لكل من شهده من قومه ولأنه يدل على قدرة الله ، وكرامة رسوله ، وتصديق وعده ، وإهانة عدوه ، وأن المخلوقات كلها جليلها وحقيرها مسخرة لقدرة الله تعالى.
وجيء بلفظ (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ليدل على أن إيمانهم متمكن منهم ومن مقومات قوميتهم كما تقدم في قوله (لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) في سورة البقرة [١٦٤]. فذلك آيات على عظيم عناية الله تعالى برسله فصدّق أهل الإيمان في مختلف العصور. ففي قوله (لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) تعريض بأن تلك الآيات لم يصدق بها قوم إبراهيم لشدة مكابرتهم وكون الإيمان لا يخالط عقولهم.
(وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ (٢٥))
يجوز أن تكون مقالته هذه سابقة على إلقائه في النار وأن تكون بعد أن أنجاه الله من النار. والأظهر من ترتيب الكلام أنها كانت بعد أن أنجاه الله من النار ، أراد به إعلان مكابرتهم الحق وإصرارهم على عبادة الأوثان بعد وضوح الحجة عليهم بمعجزة سلامته من حرق النار. وتقدم ذكر الأوثان قريبا.
ومحط القصر ب (إِنَّمَا) هو المفعول لأجله ؛ أما قصر المعبودات من دون الله على