قول عبدة بن الطبيب (١) :
إن الذين ترونهم إخوانكم |
|
يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا |
ولما كان في قوله (مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ) شائبة ثبوت منفعة لهم في عبادة الأوثان إذ يكتسبون بذلك مودة بينهم تلذ لنفوسهم قرنه بقوله (فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) إلخ تنبيها لسوء عاقبة هذه المودة وإزالة للغرور والغفلة ، ليعلموا أن اللذات العاجلة لا عبرة بها إن كانت تعقب ندامة آجلة.
ومعنى (يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ) أن المخاطبين يكفرون بالأصنام التي كانوا يعبدونها إذ يجحدون يوم القيامة أنهم كانوا يعبدونها.
ومعنى (وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) أن المخاطبين يلعن كل واحد منهم الآخرين ؛ إما لأن الملعونين غرّوا اللاعنين فسوّلوا لهم اتخاذ الأصنام ، وإما لأنهم وافقوهم على ذلك.
وهذه مخاز تلحق بعضهم من بعض ، ثم ذكر ما يعمهم من عذاب الخزي بقوله (وَمَأْواكُمُ النَّارُ).
ثم ذكر ما يعمهم جميعا من انعدام النصير فقال (وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) فنفى عنهم جنس الناصر. وهو من يزيل عنهم ذلك الخزي. وجيء في نفي الناصر بصيغة الجمع هنا خلافا لقوله آنفا (وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [العنكبوت : ٢٢] لأنهم لما تألبوا على إبراهيم وتجمعوا لنصرة أصنامهم كان جزاؤهم حرمانهم من النصراء مطابقة بين الجزاء والحالة التي جوزوا عليها. على أن المفرد والجمع في حيّز النفي سواء في إفادة نفي كل فرد من الجنس.
(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقالَ إِنِّي مُهاجِرٌ إِلى رَبِّي إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٦))
(فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ).
جملة معترضة بين الإخبار عن إبراهيم اعتراض التفريع ، وأفادت الفاء مبادرة لوط
__________________
(١) لطبيب لقب أبي عبدة واسمه يزيد بن عمرو. وتب في أكثر النسخ من كتب الأدب مخطوطة ومطبوعها : الطبيب بموحدتين بينهما تحتية وفي قليل من كتب الأدب بتحتية بعد الطاء ولم أقف على من حقق ضبطه بوجه لا التباس فيه.