حمزة والكسائي بالتحتية على الخيار في فعل الفاعل المجازيّ التأنيث.
وأيد ذلك كله بجملة (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ، دلالة على ثقته بأنه على الحق وذلك يفتّ من أعضادهم ، ويلقي رعب الشك في النجاة في قلوبهم. وضمير (إِنَّهُ) ضمير الشأن لأن الجملة بعده ذات معنى له شأن وخطر.
(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكاذِبِينَ (٣٨))
كلام فرعون المحكي هنا واقع في مقام غير مقام المحاورة مع موسى فهو كلام أقبل به على خطاب أهل مجلسه إثر المحاورة مع موسى فلذلك حكي بحرف العطف عطف القصة على القصة. فهذه قصة محاورة بين فرعون وملئه في شأن دعوة موسى فهي حقيقة بحرف العطف كما لا يخفى.
أراد فرعون بخطابه مع ملئه أن يثبتهم على عقيدة إلهيته فقال (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) إبطالا لقول موسى المحكي في سورة الشعراء [٢٦] (قالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) وقوله هناك (رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ)(١) [الشعراء: ٢٤]. فأظهر لهم فرعون أن دعوة موسى لم ترج عنده وأنه لم يصدق بها فقال (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي).
والمراد بنفي علمه بذلك نفي وجود إله غيره بطريق الكناية يريهم أنه أحاط علمه بكل شيء حق فلو كان ثمة إله غيره لعلمه.
والمقصود بنفي وجود إله غيره نفي وجود الإله الذي أثبته موسى وهو خالق الجميع. وأما آلهتهم التي يزعمونها فإنها مما تقتضيه إلهية فرعون لأن فرعون عندهم هو مظهر الآلهة المزعومة عندهم لأنه في اعتقادهم ابن الآلهة وخلاصة سرهم ، وكل الصيد في جوف الفرا.
وحيث قال موسى إن الإله الحق هو رب السموات فقد حسب فرعون أن مملكة هذا الرب السماء تصورا مختلا ففرع على نفي إله غيره وعلى توهم أن الرب المزعوم مقره
__________________
(١) في المطبوعة (إن كنتم تعقلون).