به على ذرية آدم كما أشار إليه قوله تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ) ذرياتهم (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) كما بيناه في سورة الأعراف [١٧٢].
ولكن الله يرأف بعباده إذا طالت السنون وانقرضت القرون وصار الناس مظنة الغفلة فيتعهدهم ببعثة الرسل للتذكير بما في الفطرة وليشرعوا لهم ما به صلاح الأمة.
فالمشركون الذين انقرضوا قبل البعثة المحمدية مؤاخذون بشركهم ومعاقبون عليه في الآخرة ولو شاء الله لعاقبهم عليه بالدنيا بالاستئصال ولكن الله أمهلهم ، والمشركون الذين جارتهم الرسل ولم يصدقوهم مستحقون عذاب الدنيا زيادة على عذاب الآخرة ، قال تعالى (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [السجدة : ٢١].
وأما الفرق الذين يعدّون دليل توحيد الله بالإلهية عقليا مثل الماتريدية والمعتزلة فمعنى الآية على ظاهره ، وهو قول ليس ببعيد.
(فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ قالُوا سِحْرانِ تَظاهَرا وَقالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كافِرُونَ (٤٨))
الفاء فصيحة كالفاء في قول عباس بن الأحنف :
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسانا |
وتقدير الكلام : فإن كان من معذرتهم أن يقولوا ذلك فقد أرسلنا إليهم رسولا بالحق فلما جاءهم الحق لفقوا المعاذير وقالوا : لا نؤمن به حتى نؤتى مثل ما أوتي موسى.
و (الْحَقُ) : هو ما في القرآن من الهدى.
وإثبات المجيء إليه استعارة بتشبيه الحق بشخص وتشبيه سماعه بمجيء الشخص ، أو هو مجاز عقلي وإنما الجائي الرسول الذي يبلغه عن الله ، فعبر عنه بالحق لإدماج الثناء عليه في ضمن الكلام.
ولما بهرتهم آيات الرسول صلىاللهعليهوسلم لم يجدوا من المعاذير إلا ما لقنهم اليهود وهو أن يقولوا : (لَوْ لا أُوتِيَ مِثْلَ ما أُوتِيَ مُوسى) ، أي بأن تكون آياته مثل آيات موسى التي يقصها عليهم اليهود وقص بعضها القرآن.
وضمير (يَكْفُرُوا) عائد إلى القوم من قوله (لِتُنْذِرَ قَوْماً) [القصص : ٤٦] لتتناسق الضمائر من قوله (وَلَوْ لا أَنْ تُصِيبَهُمْ) [القصص : ٤٧] وما بعده من الضمائر أمثاله.