هذا من تمام الاعتراض وهي جملة (فَأَمَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) [القصص: ٦٧] وظاهر عطفه على ما قبله أن معناه آيل إلى التفويض إلى حكمة الله تعالى في خلق قلوب منفتحة للاهتداء ولو بمراحل ، وقلوب غير منفتحة له فهي قاسية صماء ، وأنه الذي اختار فريقا على فريق. وفي «أسباب النزول» للواحدي «قال أهل التفسير نزلت جوابا للوليد بن المغيرة حين قال فيما أخبر الله عنه (وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] اه. يعنون بذلك الوليد بن المغيرة من أهل مكة وعروة بن مسعود الثقفي من أهل الطائف. وهما المراد بالقريتين. وتبعه الزمخشري وابن عطية. فإذا كان كذلك كان اتصال معناها بقوله (ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) [القصص : ٦٥] ، فإن قولهم (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) هو من جملة ما أجابوا به دعوة الرسول صلىاللهعليهوسلم. والمعنى : أن الله يخلق ما يشاء من خلقه من البشر وغيرهم ويختار من بين مخلوقاته لما يشاء مما يصلح له جنس ما منه الاختيار ، ومن ذلك اختياره للرسالة من يشاء إرساله ، وهذا في معنى قوله (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ) رسالاته [الأنعام : ١٢٤] ، وأن ليس ذلك لاختيار الناس ورغباتهم ؛ والوجهان لا يتزاحمان.
والمقصود من الكلام هو قوله (وَيَخْتارُ) فذكر (يَخْلُقُ ما يَشاءُ) إيماء إلى أنه أعلم بمخلوقاته.
وتقديم المسند إليه على خبره الفعلي يفيد القصر في هذا المقام إن لوحظ سبب النزول أي ربك وحده لا أنتم تختارون من يرسل إليكم.
وجوز أن يكون (ما) من قوله (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) موصولة مفعولا لفعل (يَخْتارُ) وأن عائد الموصول مجرور ب (في) محذوفين. والتقدير : ويختار ما لهم فيه الخير ، أي يختار لهم من الرسل ما يعلم أنه صالح بهم لا ما يشتهونه من رجالهم.
وجملة (ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) استئناف مؤكد لمعنى القصر لئلا يتوهم أن الجملة قبله مفيدة مجرد التقوي. وصيغة (ما كانَ) تدل على نفي للكون يفيد أشد مما يفيد لو قيل : ما لهم الخيرة ، كما تقدم في قوله تعالى (وَما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا) في سورة مريم [٦٤].
والابتداء بقوله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ) تمهيد للمقصود وهو قوله (وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) أي كما أن الخلق من خصائصه فكذلك الاختيار.
و (الْخِيَرَةُ) بكسر الخاء وفتح التحتية : اسم لمصدر الاختيار مثل الطيرة اسم لمصدر