أَرْسَلْتَ) إلخ لما عبأنا بإرسالك إليهم لأنهم أهل عناد وتصميم على الكفر.
فجواب (لَوْ لا) محذوف دل عليه ما تقدم من قوله (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِ) إلى قوله (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ) [القصص : ٤٤ ـ ٤٦] ، أي ولكنا أعذرنا إليهم بإرسالك لنقطع معذرتهم. وجواب (لَوْ لا) محذوف دل عليه الكلام السابق ، أي لو لا الرحمة بهم بتذكيرهم وإنذارهم لكانوا مستحقين حلول المصيبة بهم.
و (لَوْ لا) الثانية حرف تحضيض ، أي هلا أرسلت إلينا قبل أن تأخذنا بعذاب فتصلح أحوالنا وأنت غني عن عذابنا. وانتصب (فَنَتَّبِعَ) (بأن) مضمرة وجوبا في جواب التحضيض.
وضمير (تُصِيبَهُمْ) عائد إلى القوم الذين لم يأتهم نذير من قبل. والمراد (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) ما سلف من الشرك.
والمصيبة : ما يصيب الإنسان ، أي يحل به من الأحوال ، وغلب اختصاصها بما يحل بالمرء من العقوبة والأذى.
والباء في (بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) للسببية ، أي عقوبة كان سببها ما سبق على أعمالهم السيئة. والمراد بها هنا عذاب الدنيا بالاستئصال ونحوه ، وتقدم عند قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ) في سورة النساء [٦٢]. وهي ما يجترحونه من الأعمال الفاحشة.
و (ما قدمت أيديهم) ما اعتقدوه من الإشراك وما عملوه من آثار الشرك.
والأيدي مستعار للعقول المكتسبة لعقائد الكفر. فشبه الاعتقاد القلبي بفعل اليد تشبيه معقول بمحسوس.
وهذه الآية تقتضي أن المشركين يستحقون العقاب بالمصائب في الدنيا ولو لم يأتهم رسول لأن أدلة وحدانية الله مستقرة في الفطرة ومع ذلك فإن رحمة الله أدركتهم فلم يصبهم بالمصائب حتى أرسل إليهم رسولا.
ومعنى الآية على أصول الأشعري وما بينه أصحاب طريقته مثل القشيري وأبي بكر ابن العربي : أن ذنب الإشراك لا عذر فيه لصاحبه لأن توحيد الله قد دعي إليه الأنبياء والرسل من عهد آدم بحيث لا يعذر بجهله عاقل فإن الله قد وضعه في الفطرة إذ أخذ عهده