الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١] أي على رجل من أهل الثروة فهي عندهم سبب العظمة ونبزهم المسلمين بأنهم ضعفاء القوم ، وقد تكرر في القرآن توبيخهم على ذلك كقوله (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً) [سبأ : ٣٥] وقوله (وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ) [المزمل : ١١] الآية. روى الواحدي عن ابن مسعود وغيره بأسانيد : إن الملأ من قريش وسادتهم منهم عتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والمطعم بن عدي والحارث بن نوفل. قالوا : «أيريد محمد أن نكون تبعا لهؤلاء (يعنون خبابا ، وبلالا ، وعمارا ، وصهيبا) فلو طرد محمد عنه موالينا وعبيدنا كان أعظم له في صدورنا وأطمع له عندنا وأرجى لاتباعنا إياه وتصديقنا له فأنزل الله تعالى (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) إلى قوله (بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام : ٥٢ ، ٥٣]. وكان فيما تقدم من الآيات قريبا قوله تعالى (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) إلى قوله (مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [القصص : ٦٠ ، ٦١] كما تقدم.
وقد ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة فضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلا بحال قارون مع موسى وأن مثل قارون صالح لأن يكون مثلا لأبي لهب ولأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه في قرابتهما من النبي صلىاللهعليهوسلم وأذاهما إياه ، وللعاصي بن وائل السهمي في أذاه لخباب بن الأرتّ وغيره ، وللوليد بن المغيرة من التعاظم بماله وذويه. قال تعالى (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) [المدثر : ١١ ، ١٢] فإن المراد به الوليد بن المغيرة.
فقوله (إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى) استئناف ابتدائي لذكر قصة ضربت مثلا لحال بعض كفار مكة وهم سادتهم مثل الوليد بن المغيرة وأبي جهل بن هشام ولها مزيد تعلق بجملة (وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَزِينَتُها) إلى قوله (ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) [القصص : ٦٠ ، ٦١].
ولهذه القصة اتصال بانتهاء قصة جند فرعون المنتهية عند قوله تعالى (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا) [القصص : ٤٦] الآية.
و (قارُونَ) اسم معرب أصله في العبرانية (قورح) بضم القاف مشبعة وفتح الراء ، وقع في تعريبه تغيير بعض حروفه للتخفيف ، وأجري وزنه على متعارف الأوزان العربية مثل طالوت ، وجالوت ، فليست حروفه حروف اشتقاق من مادة قرن.
و (قورح هذا ابن عم موسى عليهالسلام دنيا) ، فهو قورح بن يصهار بن قهات بن